معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قَالُواْ يَٰهُودُ مَا جِئۡتَنَا بِبَيِّنَةٖ وَمَا نَحۡنُ بِتَارِكِيٓ ءَالِهَتِنَا عَن قَوۡلِكَ وَمَا نَحۡنُ لَكَ بِمُؤۡمِنِينَ} (53)

قوله تعالى : { قالوا يا هود ما جئتنا ببينة } ، أي : ببرهان وحجة واضحة على ما تقول ، { وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك } ، أي : بقولك ، { وما نحن لك بمؤمنين } ، بمصدقين .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَالُواْ يَٰهُودُ مَا جِئۡتَنَا بِبَيِّنَةٖ وَمَا نَحۡنُ بِتَارِكِيٓ ءَالِهَتِنَا عَن قَوۡلِكَ وَمَا نَحۡنُ لَكَ بِمُؤۡمِنِينَ} (53)

50

تلك كانت دعوة هود - ويبدو أنها لم تكن مصحوبة بمعجزة خارقة . ربما لأن الطوفان كان قريبا منهم ، وكان في ذاكرة القوم وعلى لسانهم ، وقد ذكرهم به في سورة أخرى - فأما قومه فظنوا به الظنون . .

( قالوا . يا هود ما جئتنا ببينة ، وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك ، وما نحن لك بمؤمنين . إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء . . ) .

إلى هذا الحد بلغ الانحراف في نفوسهم ، إلى حد أن يظنوا أن هودا يهذي ، لأن أحد آلهتهم المفتراة قد مسه بسوء ، فأصيب بالهذيان !

( يا هود ما جئتنا ببينة ) . . .

والتوحيد لا يحتاج إلى بينة ، إنما يحتاج إلى التوجيه والتذكير ، وإلى استجاشة منطق الفطرة ، واستنباء الضمير .

( وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك ) . .

أي لمجرد أنك تقول بلا بينة ولا دليل !

وما نحن لك بمؤمنين . .

أي مستجيبين لك ومصدقين . .

/خ60

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالُواْ يَٰهُودُ مَا جِئۡتَنَا بِبَيِّنَةٖ وَمَا نَحۡنُ بِتَارِكِيٓ ءَالِهَتِنَا عَن قَوۡلِكَ وَمَا نَحۡنُ لَكَ بِمُؤۡمِنِينَ} (53)

محاورة منهم لهود عليه السّلام بجواب عن دعوته ، ولذلك جردت الجملة عن العاطف .

وافتتاح كلامهم بالنداء يشير إلى الاهتمام بما سيقولونه ، وأنه جدير بأن يتنبه له لأنهم نزلوه منزلة البعيد لغفلته فنادوه ، فهو مستعمل في معناه الكنائيّ أيضاً . وقد يكون مراداً منه مع ذلك توبيخه ولومه فيكون كناية ثانية ، أو استعمال النّداء في حقيقته ومجازه .

وقولهم : { ما جئتنا ببينة } بهتان لأنه أتاهم بمعجزات لقوله تعالى : { وتلك عادٌ جحدوا بآيات ربهم } [ هود : 59 ] وإن كان القرآن لم يذكر آية معينة لهود عليه السّلام . ولعل آيته أنّه وعدهم عند بعثته بوفرة الأرزاق والأولاد واطّراد الخصب وفرة مطردة لا تنالهم في خلالها نكبة ولا مصيبة بحيث كانت خارقة لعادة النعمة في الأمم ، كما يشير إليه قوله تعالى : { وقالوا مَن أشد منا قوةً } [ فصلت : 15 ] .

وفي الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « ما من الأنبياء نبيء إلاّ أُوتي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر » الحديث .

وإنما أرادوا أن البيّنات التي جاءهم بها هود عليه السّلام لم تكن طبقاً لمقترحاتهم . وجعلوا ذلك علة لتصميمهم على عبادة آلهتهم فقالوا : { وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك } . ولم يجعلوا { وما نحن بتاركي } مفرّعاً على قولهم : { ما جئتنا ببينة } .

و { عن } في { عن قولك } للمجاوزة ، أي لا نتركها تركاً صادراً عن قولك ، كقوله : { وما فعلته عن أمري } [ الكهف : 82 ] . والمعنى على أن يكون كلامه علة لتركهم آلهتهم .