البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{قَالُواْ يَٰهُودُ مَا جِئۡتَنَا بِبَيِّنَةٖ وَمَا نَحۡنُ بِتَارِكِيٓ ءَالِهَتِنَا عَن قَوۡلِكَ وَمَا نَحۡنُ لَكَ بِمُؤۡمِنِينَ} (53)

{ قالوا يا هود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون من دونه فكيدوني جميعاً ثم لا تنظرون إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتهآ إن ربي على صراط مستقيم فإن تولوا فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم ويستخلف ربي قوماً غيركم ولا تضرونه شيئاً إن ربي على كل شيء حفيظ } : ببينة أو بحجة واضحة تدل على صدقك ، وقد كذبوا في ذلك وبهتوه كما كذبت قريش في قولهم : { لولا أنزل عليه آية من ربه } وقد جاءهم بآيات كثيرة ، أو لعمائهم عن الحق وعدم نظرهم في الآيات اعتقدوا ما هو آية ليس بآية فقالوا : ما جئتنا ببينة تلجئنا إلى الإيمان ، وإلا فهود وغيره من الأنبياء لهم معجزات وإن لم يعين لنا بعضها .

ألا ترى إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما من نبي إلا وقد أوتي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر » وعن في عن قولك حال من الضمير في تاركي آلهتنا ، كأنه قيل : صادرين عن قولك ، قاله الزمخشري .

وقيل : عن للتعليل كقوله تعالى : { إلا عن موعدة وعدها إياه } فتتعلق بتاركي ، كأنه قيل لقولك ، وقد أشار إلى التعليل والسبب فيها ابن عطية ، فقال : أي لا يكون قولك سبباً لتركنا ، إذ هو مجرد عن آية ، والجملة بعدها تأكيد وتقنيط له من دخولهم في دينه ،