مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{قَالُواْ يَٰهُودُ مَا جِئۡتَنَا بِبَيِّنَةٖ وَمَا نَحۡنُ بِتَارِكِيٓ ءَالِهَتِنَا عَن قَوۡلِكَ وَمَا نَحۡنُ لَكَ بِمُؤۡمِنِينَ} (53)

قوله تعالى { قالوا يا هود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم }

اعلم أنه تعالى لما حكى عن هود عليه السلام ما ذكره للقوم ، حكى أيضا ما ذكره القوم له وهو أشياء : أولها : قولهم : { ما جئتنا ببينة } أي بحجة ، والبينة سميت بينة لأنها تبين الحق من الباطل ، ومن المعلوم أنه عليه السلام كان قد أظهر المعجزات إلا أن القوم بجهلهم أنكروها ، وزعموا أنه ما جاء بشيء من المعجزات . وثانيها : قولهم : { وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك } وهذا أيضا ركيك ، لأنهم كانوا يعترفون بأن النافع والضار هو الله تعالى وأن الأصنام لا تنفع ولا تضر ، ومتى كان الأمر كذلك فقد ظهر في بديهة العقل أنه لا تجوز عبادتها وتركهم آلهتهم لا يكون عن مجرد قوله بل عن حكم نظر العقل وبديهة النفس . وثالثها : قوله : { وما نحن لك بمؤمنين } وهذا يدل على الإصرار والتقليد والجحود .