وقال الكلبي : لما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي بمكة اجتهد في العبادة حتى كان يراوح بين قدميه في الصلاة لطول قيامه ، وكان يصلي الليل كله ، فأنزل الله هذه الآية وأمره أن يخفف على نفسه فقال :{ ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى } وقيل : لما رأى المشركون اجتهاده في العبادة قالوا : ما أنزل عليك القرآن يا محمد إلا لشقائك ، فنزلت { ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى } أي لتتعنى وتتعب ، وأصل الشقاء في اللغة العناء .
( ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ) . . ما أنزلنا عليك القرآن ليؤدي إلى شقائك به أو بسببه . ما أنزلناه لتشقى بتلاوته والتعبد به حتى يجاوز ذلك طاقتك ، ويشق عليك ؛ فهو ميسر للذكر ، لا تتجاوز تكاليفه طاقة البشر ، ولا يكلفك إلا ما في وسعك ، ولا يفرض عليك إلا مافي طوقك والتعبد به في حدود الطاقة نعمة لا شقوة ، وفرصة للاتصال بالملأ الأعلى ، واستمداد القوة والطمأنينة ، والشعور بالرضى والأنس والوصول . .
وما أنزلناه عليك لتشقى مع الناس حين لا يؤمنون به . فلست مكلفا أن تحملهم على الإيمان حملا ؛ ولا أن تذهب نفسك عليهم حسرات
افتتحت السورة بملاطفة النبي صلى الله عليه وسلم بأنّ الله لم يرد من إرساله وإنزال القرآن عليه أن يشقى بذلك ، أي تصيبه المشقّة ويشده التعب ، ولكن أراد أن يذكر بالقرآن من يخاف وعيده . وفي هذا تنويه أيضاً بشأن المؤمنين الذين آمنوا بأنهم كانوا من أهل الخشية ولولا ذلك لما ادّكروا بالقرآن .
وفي هذه الفاتحة تمهيدٌ لما يرد من أمر الرسول عليه الصلاة والسلام بالاضطلاع بأمر التبليغ ، وبكونه من أولي العزم مثل موسى عليه السلام وأن لا يكون مفرطاً في العزم كما كان آدم عليه السلام قبل نزوله إلى الأرض . وأدمج في ذلك التنويه بالقرآن لأن في ضمن ذلك تنويهاً بمن أنزل عليه وجاء به .
والشقاء : فرط التعب بعمل أو غمّ في النفس ، قال النابغة :
إلاّ مقالةَ أقوام شَقِيت بهم *** كانت مقالتهم قَرعا على كبدي
وهمزة الشقاء مُنقلبة عن الواو . يقال : شَقاء وشَقاوة بفتح الشين وشِقوة بكسرها .
ووقوع فعل { أنْزَلْنَا } في سياق النفي يقتضي عموم مدلوله ، لأنّ الفعل في سياق النفي بمنزلة النكرة في سياقه ، وعموم الفعل يستلزم عموم متعلقاته من مفعول ومجرور . فيعمّ نفي جميع كلّ إنزال للقرآن فيه شقاء له ، ونفي كل شقاء يتعلق بذلك الإنزال ، أي جميع أنواع الشّقاء فلا يكون إنزال القرآن سبباً في شيء من الشقاء للرسول صلى الله عليه وسلم .
وأول ما يراد منه هنا أسف النبي صلى الله عليه وسلم من إعراض قومه عن الإيمان بالقرآن . قال تعالى : { فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفاً } [ الكهف : 6 ] .
ويجوز أن يكون المراد : ما أرسلناك لتخِيب بل لنؤيدك وتكون لك العاقبة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.