تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{مَآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡقُرۡءَانَ لِتَشۡقَىٰٓ} (2)

الآية 2 : وقوله تعالى : { ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى } لا يحتمل أن يكون هذا نزل على الابتداء من غير سبب ولا أمر ، لكنه{[12154]} لم يبين السبب [ الذي ] {[12155]} به نزل هذا ، ويحتمل أن يكون سببه وجوها :

أحدها : ما حمل نفسه من الشدائد والمؤن العظام ، وأجهد نفسه في ذلك . فنزل : { ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى } أي لتتعب به نفسك كقوله : { فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى } [ طه : 117 ] أي تتعب . ألا ترى أنه قال : { إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى } [ طه : 118 ] .

والثاني : أنه لما كف نفسه عن الشهوات ، ومنعها عن جميع ما تهواه من اللذات ، فقال أولئك الكفرة : إنه شقي [ حين رأوه لم ] {[12156]} يعط نفسه شيئا من شهواتها ولذاتها .

والثالث : أنهم قالوا ذلك لما رأوه أنه دعا الفراعنة والجبابرة إلى دينه وأتباعه ، وأظهر لهم الخلاف ، واستقبلهم بما يكرهون . وكانت عادتهم قتل{[12157]} وإهلاك من يظهر لهم الخلاف ، فخاطر بذلك . قالوا : إنه شقي حين{[12158]} يخاطر بنفسه . فقال : { ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى } على ما يقول أولئك ، بل أنزله عليك لتسعد حين{[12159]} أخبر أنه عصمه بقوله : { والله يعصمك من الناس } [ المائدة : 67 ] .

أو ألا يفسر ، ولا يذكر ذلك الأمر والسبب الذي به نزل لأنه لم يبين . ولا حاجة بنا [ إلا ] {[12160]} إلى معرفة ما ذكر ، وهو قوله : { إلا تذكرة لمن يخشى } أي ما أنزلناه لتسعد ، وأنزلناه لتذكر به من يخشى كقوله { إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمان بالغيب } [ يس : 11 ] .


[12154]:من م، في الأصل: لمن.
[12155]:من م، ساقطة من الأصل.
[12156]:في الأصل: حيث رآه، في م: حين رآه لم.
[12157]:في الأصل وم: القتل.
[12158]:في الأصل وم: حيث.
[12159]:في الأصل وم: حيث.
[12160]:ساقطة من الأصل وم.