فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{مَآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡقُرۡءَانَ لِتَشۡقَىٰٓ} (2)

وجملة : { مَا أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ القرآن لتشقى } مستأنفة مسوقة لتسلية رسول الله صلى الله عليه وسلم عما كان يعتريه من جهة المشركين من التعب ، والشقاء يجيء في معنى التعب . قال ابن كيسان : وأصل الشقاء في اللغة : العناء والتعب ، ومنه قول الشاعر :

ذو العقل يشقى في النعيم بعقله *** وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم

والمعنى : ما أنزلنا عليك القرآن لتتعب بفرط تأسفك عليهم وعلى كفرهم ، وتحسرك على أن يؤمنوا ، فهو كقوله سبحانه : { فَلَعَلَّكَ باخع نَفْسَكَ } [ الكهف : 6 ] . قال النحاس : بعض النحويين يقول : هذه اللام في : { لتشقى } لام النفي ، وبعضهم يقول : لام الجحود . وقال ابن كيسان : هي لام الخفض ، وهذا التفسير للآية هو على قول من قال : إن طه كسائر فواتح السور التي ذكرت تعديداً لأسماء الحروف ، وإن جعلت اسماً للسورة كان قوله : { مَا أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ القرءان لتشقى } خبراً عنها ، وهي في موضع المبتدأ ، وأما على قول من قال : إن معناها : يا رجل ، أو بمعنى الأمر بوطء الأرض ، فتكون الجملة مستأنفة لصرفه صلى الله عليه وسلم عما كان عليه من المبالغة في العبادة .

/خ16