معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلَهُ ٱلۡجَوَارِ ٱلۡمُنشَـَٔاتُ فِي ٱلۡبَحۡرِ كَٱلۡأَعۡلَٰمِ} (24)

قوله تعالى : { فبأي آلاء ربكما تكذبان وله الجوار } السفن الكبار ، { المنشآت } وقرأ حمزة وأبو بكر : المنشئات بكسر الشين ، أي : المنشئات للسير يعني اللاتي ابتدأن وأنشأن السير . وقرأ الآخرون بفتح الشين ، أي المرفوعات ، وهي التي رفع خشبها بعضها على بعض . وقيل : هي ما رفع قلعه من السفن وأما ما لم يرفع قلعه فليس من المنشئات . وقيل : المخلوقات المسخرات ، { في البحر كالأعلام } كالجبال جمع علم وهو الجبل الطويل ، شبه السفن في البحر ، بالجبال في البر .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَهُ ٱلۡجَوَارِ ٱلۡمُنشَـَٔاتُ فِي ٱلۡبَحۡرِ كَٱلۡأَعۡلَٰمِ} (24)

ثم ينتقل إلى الفلك التي تجري في البحار ، كأنها لضخامتها الجبال :

( وله الجواري المنشآت في البحر كالأعلام . . )

ويجعل هذه الجواري المنشآت( له )سبحانه وتعالى . فهي تجري بقدرته . ولا يحفظها في خضم البحر وثبج الموج إلا حفظه ولا يقرها على سطحه المتماوج إلا كلاءته . فهي له سبحانه . وقد كانت - وما تزال - من أضخم النعم التي من الله بها على العباد ، فيسرت لهم من أسباب الحياة والانتقال والرفاهية والكسب ما هو جدير بأن يذكر ولا ينكر .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَهُ ٱلۡجَوَارِ ٱلۡمُنشَـَٔاتُ فِي ٱلۡبَحۡرِ كَٱلۡأَعۡلَٰمِ} (24)

الجملة عطف على جملة { يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان } [ الرحمن : 22 ] لأن هذا من أحوال البحرين وقد أغنت إعادة لفظ البحر عن ذكر ضمير البحرين الرابط لجملة الحال بصاحبها .

واللام للملك وهو مِلك تسخير السير فيها ، قال تعالى : { ومن آياته الجوارِ في البحر كالأعلام إن يشأ يسكن الرياح فيظللن رواكد على ظهره إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور أو يوبقهن بما كسبوا } [ الشورى : 32 34 ] . فالمعنى : أن الجواري في البحر في تصرفه تعالى ، قال تعالى : { والفلك تجري في البحر بأمره } [ الحج : 65 ] .

والإِخبار عن الجواري بأنها له للتنبيه على أن إنشاء البحر للسفن لا يخرجها عن ملك الله .

والجوارِ صفة لموصوف محذوف دل عليه متعلقه وهو قوله : { في البحر } . والتقدير : السفن الجواري إذ لا يجري في البحر غير السفن .

وكتب في المصحف الإِمام { الجوار } براء في آخره دون ياء وقياس رسمه أن يكون بياء في آخره ، فكتب بدون ياء اعتداداً بحالة النطق به في الوصل إذ لا يقف القارىء عليه ولذلك قرأه جميع العشرة بدون ياء في حالة الوصل والوقف لأن الوقف عليه نادر في حال قراءة القارئين .

وقرأ الجمهور { المنشئات } بفتح الشين ، فهو اسم مفعول ، إذا أُوجد وصُنع ، أي التي أنشأها الناس بإلهام من الله فحصل من الكلام مِنَّتان مِنة تسخير السفن للسير في البحر ومنّة إلهام الناس لإِنشائها .

وقرأه حمزة وأبو بكر عن عاصم بكسر الشين فهو اسم فاعل .

فيجوز أن يكون المنشئات مشتقاً من أنشأ السير إذا أسرع ، أي التي يسير بها الناس سيراً سريعاً . قال مجاهد : المنشئات التي رفعت قلوعها . والآية تحتمل المعنيين على القراءتين باستعمال الاشتقاق في معنيي المشتق منه ويكون في ذلك تذكيراً بنعمة إلهام الناس إلى اختراع الشراع لإِسراع سير السفن وهي مما اخترع بعد صنع سفينة نوح .

ووصفت الجَوَارِي بأنها كالأعلام ، أي الجبال وصفاً يفيد تعظيم شأنها في صنعها المقتضي بداعة إلهام عقول البشر لصنعها ، والمقتضى عظم المِنّة بها لأن السفن العظيمة أمكن لحمل العدد الكثير من الناس والمتاع .