الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَلَهُ ٱلۡجَوَارِ ٱلۡمُنشَـَٔاتُ فِي ٱلۡبَحۡرِ كَٱلۡأَعۡلَٰمِ} (24)

قوله : { الْجَوَارِ } : العامَّة على كسرِ الراء لأنه منقوصٌ على مَفاعِل ، والياءُ محذوفةٌ لفظاً لالتقاءِ الساكنين . وقرأ عبد الله والحسن وتُروَى عن أبي عمروٍ " الجَوارُ " برفع الراء تناسياً للمحذوف ومنه :

لها ثنايا أربعٌ حِسانُ *** وأربعٌ فثَغْرُها ثَمانُ

وهذا كما قالوا : " هذا شاكٌ " وقد تقدَّم تقريرُ هذا في الأعراف عند قولِه : { وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ } [ الأعراف : 41 ] .

قوله : { الْمُنشَئَاتُ } قرأ حمزةُ وأبو بكر بخلافٍ عنه بكسرِ الشينِ بمعنى : أنها تُنْشِىءُ الموجَ بجَرْيِها ، أو تُنْشِىء السيرَ إقبالاً وإدباراً ، أو التي رَفَعَتْ شُرُعَها أي : قِلاعَها . والشِّراع : القِلْع . وعن مجاهد : كلما رَفَعتْ قِلْعَها فهي من المُنْشَآت ، وإلاَّ فليسَتْ منها . ونسبةُ الرَّفْع إليها مجازٌ كما يقال : أنْشَأتِ السحابةُ المطرَ . والباقون بالفتح وهو اسمُ مفعول أي : أنشأها اللَّهُ أو الناسُ ، أو رفعوا شُرُعَها . وقرأ ابن أبي عبلة " المُنَشَّآت " بتشديد الشين مبالغةً . والحسنُ " المُنْشات " بالإِفراد ، وإبدالِ الهمزة ألفاً وتاءٍ مجذوبة خَطَّاً فأْفَردَ الصفةَ ثقةً بإفهام الموصوف الجمعيةَ ، كقولِه

{ أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ } [ البقرة : 25 ] وأمَّا إبدالُه الهمزةَ ألفاً ، وإن كان قياسُها بينَ بينَ فمبالَغَةٌ في التخفيف ، كقوله :

إنَّ السِّباعَ لَتَهْدَا في مَرابِضِها *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أي : لتهدَأ . وأمَّا كَتْبُها بالتاءِ المجذوبة فإتباعاً للفظها في الوصلِ . و " في البحر " متعلقٌ بالمُنْشِئات أو المنشَآت . ورسمُه بالياء بعد الشين في مصاحفِ العراقِ يُقَوِّي قراءةَ الكسرِ ورَسْمُه بدونِها يُقَوِّي قراءةَ الفتح ، وحَذَفُوا الألفَ كا تُحْذَفُ في سائر جمع المؤنث السالم . و " كالأَعْلام " حالٌ : إمَّا من الضميرِ المستكنِّ في " المُنْشَآت " ، وإمَّا مِنْ " الجوار " وكلاهما بمعنىً واحد . والأَعلام : الجبالُ جمعُ عَلَم . قال :

رُبَّما أَوْفَيْتُ في عَلَم *** تَرْفَعَنْ ثوبي شَمالاتُ