فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَلَهُ ٱلۡجَوَارِ ٱلۡمُنشَـَٔاتُ فِي ٱلۡبَحۡرِ كَٱلۡأَعۡلَٰمِ} (24)

{ وله الجوار المنشآت في البحر كالأعلام } المراد بالجوار السفن الجارية في البحر ، وسميت السفينة جارية لأن شأنها ذلك وإن كانت واقفة في الساحل كما سماها في موضع آخر بالجارية ، كما قال تعالى : { إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية } ، وسماها بالفلك قبل أن لم تكن كذلك ، فقال تعالى لنوح ؛ { واصنع الفلك بأعيننا } ، ثم بعدما عملها سماها سفينة فقال تعالى : { فأنجيناه وأصحاب السفينة } ، قال الرازي : الفلك أولا ، ثم السفينة ، ثم الجارية ، والمرأة المملوكة تسمى أيضا جارية ، لأن شأنها الجري والسعي في حوائج سيدها ، بخلاف الزوجة ، فهي من الصفات الغالبة .

والعامة على كسر الراء من الجوار ، لأنه منقوص على فواعل ، والياء محذوفة لفظا ، وقرئ برفع الراء تناسبا للمحذوف ، وقرئ بإثبات الياء في الوقف ، ولا تثبت في الرسم ، لأنها من يا آت الزوائد ، والمنشآت المرفوعات التي رفع بعض خشبها على بعض ، وركب حتى ارتفعت وطالت حتى صارت في البحر كالأعلام ، وهي الجبال ، والعلم الجبل الطويل ، شبه السفن في البحر بالجبل في البر ، وقال قتادة : المنشآت المخلوقات للجري ، وقال الأخفش : المنشآت المجريات ، وقيل : المحدثات المسخرات ، وقيل : الرافعات الشرع ، أو اللاتي ينشئن الأمواج بجريهن ، وقد مضى الكلام على هذا في سورة الشورى ، وإفراد البحر وجمع الأعلام إشارة إلى عظمة البحر ، قرأ الجمهور المنشآت بفتح الشين ، وقرئ بكسرها .