معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَٱذۡكُرِ ٱسۡمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلۡ إِلَيۡهِ تَبۡتِيلٗا} (8)

{ واذكر اسم ربك } بالتوحيد والتعظيم ، { وتبتل إليه تبتيلاً } قال ابن عباس وغيره : أخلص إليه إخلاصاً . وقال الحسن : اجتهد . وقال ابن زيد : تفرغ لعبادته . وقال سفيان : توكل عليه توكلاً . وقيل : انقطع إليه في العبادة انقطاعاً ، وهو الأصل في الباب ، يقال : تبتلت الشيء أي : قطعته وصدقه قولهم أتت بتة بتلة : أي مقطوعة عن صاحبها لا سبيل له عليها ، والتبتيل : التقطيع تفعيل ، منه يقال : بتلته فتبتل ، والمعنى : بتل إليك نفسك ، ولذلك قال : { تبتيلاً } قال زيد : التبتل رفض الدنيا وما فيها ، والتماس ما عند الله تعالى .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱذۡكُرِ ٱسۡمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلۡ إِلَيۡهِ تَبۡتِيلٗا} (8)

( واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا ) . .

وذكر اسم الله ، ليس هو مجرد ترديد هذا الاسم الكريم باللسان ، على عدة المسبحة المئوية أو الألفية ! إنما هو ذكر القلب الحاضر مع اللسان الذاكر ؛ أو هو الصلاة ذاتها وقراءة القرآن فيها . والتبتل هو الانقطاع الكلي عما عدا الله ، والاتجاه الكلي إليه بالعبادة والذكر ، والخلوص من كل شاغل ومن كل خاطر ، والحضور مع الله بكامل الحس والمشاعر .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَٱذۡكُرِ ٱسۡمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلۡ إِلَيۡهِ تَبۡتِيلٗا} (8)

واذكر اسم ربك ودم على ذكره ليلا ونهارا وذكر الله يتناول كل ما يذكر به تسبيح وتهليل وتمجيد وتحميد وصلاة وقراءة قرآن ودراسة علم وتبتل إليه تبتيلا وانقطع إليه بالعبادة وجرد نفسك عما سواه ولهذه الرمزة ومراعاة الفواصل وضعه موضع تبتلا .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱذۡكُرِ ٱسۡمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلۡ إِلَيۡهِ تَبۡتِيلٗا} (8)

عطف على { قم الليل } [ المزمل : 2 ] وقصد بإطلاق الأمر عن تعيين زمان إلى إفادة تعميمه ، أي اذكر اسم ربك في الليل وفي النهار كقوله : { واذكر اسم ربك بكرة وأصيلاً } [ الإنسان : 25 ] .

وإقحام كلمة { اسم } لأن المأمور به ذكر اللسان وهو جامع للتذكر بالعقل لأن الألفاظ تجري على حسب ما في النفس ، ألا ترى إلى قوله تعالى : { واذكر ربك في نفسك تضرعاً وخيفة ودون الجهر من القول } [ الأعراف : 205 ] .

والتبتل : شدة البتل ، وهو مصدر تبتّل القاصر الذي هو مطاوع بَتَّله ف { تبتل } وهو هنا للمطاوعة المجازية يقصد من صيغتها المبالغة في حصول الفعل حتّى كأنه فعله غيره به فَطاوعه ، والتبتل : الانقطاع وهو هنا انقطاع مجازي ، أي تفرغ البال والفكر إلى ما يرضي الله ، فكأنه انقطع عن الناس وانحاز إلى جانب الله فعدي ب « إلى » الدالة على الانتهاء ، قال امرؤ القيس :

منارة مُمْسى راهب متَبَتِّل

والتبتيل : مصدر بتَّل المشدد الذي هو فعل متعد مثل التّقطيع .

وجيء بهذا المصدر عوضاً عن التبتل للإِشارة إلى أن حُصول التبتل ، أي الانقطاع يقتضي التبتيل أي القطْع . ولما كان التبتيل قائماً بالمتبتل تعين أن تبتيله قطعه نفسه عن غير من تبتل هو إليه فالمقطوع عنه هنا هو من عدا الله تعالى فالجمع بين { تبتل } و{ تبتيلاً } مشير إلى إراضة النفس على ذلك التبتل . وفيه مع ذلك وفاء بِرعي الفواصل التي قبله .

والمراد بالانقطاع المأمور به انقطاع خاص وهو الانقطاع عن الأعمال التي تمنعه من قيام الليل ومهام النهار في نشر الدعوة ومحاجّة المشركين ولذلك قيل { وتبتل إليه } أي إلى الله فكل عمل يقوم به النبي صلى الله عليه وسلم من أعمال الحياة فهو لدين الله فإن طعامه وشرابه ونومه وشؤونه للاستعانة على نشر دين الله . وكذلك منعشات الروح البريئة من الإِثم مثل الطِّيب ، وتزوج النساء ، والأنس إلى أهله وأبنائه وذويه ، وقد قال : « حُبّب إليّ من دنياكم النساء والطيب » .

وليس هو التبتل المفضي إلى الرهبانية وهو الإِعراض عن النساء وعن تدبير أمور الحياة لأن ذلك لا يلاقي صفة الرسالة .

وفي حديث سعْد في « الصحيح » « ردّ رسول الله على عثمان بن مظعون التبتل ولو أذِن له لاختصينا » يعني ردّ عليه استشارته في الإِعراض عن النساء .

ومن أكبر التبتل إلى الله الانقطاع عن الإِشراك ، وهو معنى الحنيفيّة ، ولذلك عقب قوله : { وتبتل إليه تبتيلاً } بقوله : { ربّ المشرق والمغرب لا إله إلاّ هو } .

وخلاصة المعنى : أن النبي صلى الله عليه وسلم مأمور أن لا تخلو أوقاته عن إقبال على عبادة الله ومراقبته والانقطاع للدعوة لدين الحق ، وإذ قد كان النبي صلى الله عليه وسلم من قبلُ غير غافل عن هذا الانقطاع بإرشاد من الله كما ألهمه التحنّث في غار حراء ثم بما أفاضه عليه من الوحي والرسالة .

فالأمر في قوله : { واذكر اسم ربّك وتبتّل إليه } مراد به الدوام على ذلك فإنه قد كان يذكر الله فيما قبل فإن في سورة القلم ( 51 ) ( وقد نزلت قبل المزمل ) { وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر } على أن القرآن الذي أنزل أولاً أكثره إرشاد للنبي صلى الله عليه وسلم إلى طرائق دعوة الرسالة فلذلك كان غالب ما في هذه السورِ الأولِ منه مقتصراً على سَن التكاليف الخاصة بالرسول صلى الله عليه وسلم .