الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَٱذۡكُرِ ٱسۡمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلۡ إِلَيۡهِ تَبۡتِيلٗا} (8)

قوله : { تَبْتِيلاً } :مصدرٌ على غير الصدرِ وهو واقعٌ موقعَ التَّبَتُّل ؛ لأنَّ مصدرَ تَفَعَّل نحو : تَصَرَّفَ تَصَرُّفاً ، وتكرَّمَّ تكرُّماً . وأمَّا التفعيلُ فمصدرُ فَعَّل نحو : صَرَّف تَصْرِيفاً . ومثلُه قولُ الشاعر :

وقد تَطَوَّيْتُ انْطِواءَ الحِضْبِ ***

فأوقعَ الانفعالَ مَوْقِعَ التَّفَعُّل . قال الزمخشري : " لأنَّ معنى تَبَتَّل : " بَتَّلَ نفسَه ، فجيْءَ به على معناه مراعاةً لحَقِّ الفواصِل " . والتبتُّل : الانقطاعُ . ومنه " امرأة بتولٌ " ، أي : انقطَعَتْ عن النِّكاحِ ، وبَتَلْتُ الحَبْلَ : قَطَعْتُه . قال الليث : البَتْلُ : تمييزُ الشيءِ من الشيءِ . وقالوا : " طَلْقَةٌ بَتْلَةٌ " ، و " هِبَةٌ بَتْلَةٌ " يعنونَ انقطاعها عن صاحبِها ، فالتبتيلُ تَرْكُ النِّكاحِ ، والزهدُ فيه . والمرادُ به في الآيةِ الكريمة الانقطاعُ إلى عبادةِ اللهِ تعالى دونَ تَرْكِ النكاحِ ، وفي الحديث : " أنَّه نَهَى عن التبتُّل " ، أي : الانقطاع عن النِّكاح ، ومنه سُمِّي الراهبُ " مُتَبتِّلاً " لانقطاعِه عن النكاحِ . قال امرؤ القيس :

تُضِيْءُ الظلامَ بالعَشِيِّ كأنَّها *** منارةُ مُمْسَى راهِبٍ مُتَبَتِّلِ