الأولى- قوله تعالى : " واذكر اسم ربك " أي ادعه بأسمائه الحسنى ، ليحصل لك مع الصلاة محمود العاقبة . وقيل : أي اقصد بعملك وجه ربك ، وقال سهل : اقرأ باسم الله الرحمن الرحيم في ابتداء صلاتك توصلك بركة قراءتها إلى ربك ، وتقطعك عما سواه{[15512]} . وقيل : اذكر اسم ربك في وعده ووعيده ، لتوفر على طاعته وتعدل عن معصيته . وقال الكلبي : صل لربك أي بالنهار .
قلت : وهذا حسن فإنه لما ذكر الليل ذكر النهار ؛ إذ هو قسيمه ، وقد قال الله تعالى : " وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر " [ الفرقان : 62 ] على ما تقدم{[15513]} .
الثانية- قوله تعالى : " وتبتل إليه تبتيلا " التبتل : الانقطاع إلى عبادة الله عز وجل ؛ أي انقطع بعبادتك إليه ، ولا تشرك به غيره . يقال : بتلت الشيء أي قطعته ، ومنه قولهم : طلقها بتة بتلة ، وهذه صدقة بتة بتلة ، أي بائنة منقطعة عن صاحبها ، أي قطع ملكه عنها بالكلية ، ومنه مريم البتول لانقطاعها إلى الله تعالى ، ويقال للراهب متبتل ؛ لانقطاعه عن الناس ، وانفراده بالعبادة ، قال :
تُضِيءُ الظَّلامَ بالعِشَاء كأنَّهَا *** مَنارةُ مُمْسَى راهبٍ مُتَبَتَّلِ{[15514]}
وفي الحديث النهي عن التبتل ، وهو الانقطاع عن الناس والجماعات . وقيل : إن أصله عند العرب التفرد ، قاله ابن عرفة . والأول أقوى لما ذكرنا . ويقال : كيف قال : تبتيلا ، ولم يقل تبتلا ؟ قيل له : لأن معنى تبتل بتل نفسه ، فجيء به على معناه مراعاة لحق الفواصل .
الثالثة- قد مضى في ( المائدة ){[15515]} في تفسير قوله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم " [ المائدة : 87 ] كراهة لمن تبتل وانقطع وسلك سبيل الرهبانية بما فيه كفاية . قال ابن العربي : وأما اليوم وقد مرجت عهود الناس ، وخفت أماناتهم ، واستولى الحرام على الحطام{[15516]} ، فالعزلة خير من الخلطة ، والعزبة أفضل من التأهل ، ولكن معنى الآية : انقطع عن الأوثان والأصنام وعن عبادة غير الله ، وكذلك قال مجاهد : معناه : أخلص له العبادة ، ولم يرد التبتل ، فصار التبتل مأمورا به في القرآن ، منهيا عنه في السنة ، ومتعلق الأمر غير متعلق النهي ، فلا يتناقضان ، وإنما بعث ليبين للناس ما نزل إليهم ، فالتبتل المأمور به : الانقطاع إلى الله بإخلاص العبادة ، كما قال تعالى : " وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين{[15517]} " [ البينة : 5 ] والتبتل المنهي عنه : هو سلوك مسلك النصارى في ترك النكاح والترهيب في الصوامع ، لكن عند فساد الزمان يكون خير مال المسلم غنما يتبع بها شغف الجبال ومواقع القطر ، يفر بدينه من الفتن .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.