قوله : { واذكر اسم رَبِّكَ } ، أي : ادعه بأسمائه الحسنى ليحصل لك مع الصلاة محمود العاقبة .
وقال سهل : اقرأ باسم الله الرحمن الرحيم في ابتداء صلاتِك توصلك بركة قراءتها إلى ربك وتقطعك عما سواه .
وقيل : اذكر اسم ربِّك في وعده ، ووعيده ؛ لتتوفّر على طاعته وتعدل عن معصيته .
وقال الكلبي : صلِّ لربِّك ، أي : بالنهار .
قال القرطبيُّ{[58334]} : وهذا حسن ، لأنه لما ذكر الليل ذكر النهار ، إذ هو قسيمه ، وقد قال تعالى :{ وَهُوَ الذي جَعَلَ الليل والنهار خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ } [ الفرقان : 62 ] .
قوله : { وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً } ، هذا مصدر على غير المصدر ، وهو واقع موقع التبتل ، لأن مصدر " تفعَّل " " تفعُّل " نحو " تصرَّف تصرُّفاً ، وتكرَّم تكرُّماً " ، وأما " التفعيل " فمصدر " فعَّل " نحو " صرَّف تصريفاً " ؛ كقول الآخر : [ الرجز ]
4925 - وقَدْ تَطَوَّيْتَ انْطواءَ الحِضْبِ{[58335]} *** . . .
فأوقع «الانفعال » موقع «التفعل » .
قال الزمخشريُّ : لأنَّ معنى «تبتَّل » بتل نفسه ، فجيء به على معناه مراعاةً لحق الفواصل .
والبَتْلُ : الانقطاع ، ومنه امرأة بتول ، أي : انقطعت من النكاح ، وبتلت الحبل : قطعته .
قال الليثُ : التبتل : تمييز الشيء من الشيء ، وقالوا : طَلْقةٌ بَتْلةٌ ، يعنون انقطاعها عن صاحبها ، فالتبتُّل : ترك النكاح والزهد فيه ، ومنه سمي الراهب متبتلاً لانقطاعه عن النكاح ؛ قال امرؤ القيس : [ الطويل ]
4926 - تُضِيءُ الظَّلامَ بِالعشَاءِ كأنَّها*** مَنارةُ مُمْسَى رَاهبٍ مُتبتِّلِ{[58336]}
ومنه الحديث : أنه نهى عن التبتل ، وقال : «يَا مَعْشَرَ الشَّبابِ ، من اسْتَطَاعَ مِنْكمُ البَاءَةَ فَليتَزوَّجْ »{[58337]} والمراد به في الآية الكريمة : الانقطاع إلى عبادة الله تعالى دون ترك النكاح .
والتبتل في الأصل : الانقطاع عن الناس ، والجماعات ، وقيل : إن أصله عند العرب التفرد . قاله ابن عرفة .
قال ابن العربي : «هذا فيما مضي ، وأما اليوم ، وقد مرجت عهود الناس ، وخفت أماناتهم ، واستولى الحرام على الحطام ، فالعزلة خير من الخلطة ، والعُزبة أفضل من التأهل ، ولكن معنى الآية : وانقطع عن الأوثان ، والأصنام ، وعن عبادة غير الله .
وكذلك قال مجاهد : معناه : أخلص له العبادة ، ولم يرد التبتل ، فصار التبتُّلُ مأموراً به في القرآن ، مَنْهِيّاً عنه في السنَّةِ ، ومتعلق الأمر غير متعلق النهي فلا يتناقضان ، وإنما بعث ليبينَ للناس ما نزل إليهم ، والتبتل المأمور به : الانقطاع إلى الله بإخلاص كما قال تعالى :{ وَمَآ أمروا إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين } ، والتبتل المنهي عنه : سلوك مسلك النصارى في ترك النكاحِ ، والترهب في الصوامع ، لكن عند فساد الزمان يكون خير مال المسلمِ غنماً يتبع بها شعف الجبال ، ومواقع القطر ، يفر بدينه من الفتن " .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.