تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَٱذۡكُرِ ٱسۡمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلۡ إِلَيۡهِ تَبۡتِيلٗا} (8)

الآية 8 : وقوله تعالى : { واذكر اسم ربك } أي اذكر ربك ، دليله قوله على إثره{ وتبتل إليه تبتيلا }[ وبالتبتيل ينقطع ]{[22428]} إليه لا إلى اسمه .

ثم ذكر الرب ، جل جلاله ، هو أن ينظر[ المرء ]{[22429]} إلى أحوال نفسه[ ويتساءل ]{[22430]} ما الذي يلزمه من العبادة في تلك الحال ، فيكون ذكر ربه بإقامة تلك العبادة لا بأن يذكر الله تعالى بلسانه فقط ، وهو كقوله : { استغفروا ربكم إنه كان غفارا }[ نوح/10 ] واستغفارهم أن يأتمروا بما أمروا ، وينتهوا عما نهوا ، لا أن يقولوا بألسنتهم : نستغفر الله ، لأنهم وإن قالوا : نستغفر الله ، لم يقبل ذلك منهم إذا كانوا كفرة . فثبت أن استغفارهم أن يجيبوا إلى ما دعاهم إليه نوح .

فلذلك ذكر الله تعالى يقع بوفاء ما تلزمهم حال القيام به ، وذلك يكون بالأفعال مرة وبالأقوال ثانيا .

ومنهم من صرف الأمر إلى الاسم على ما يؤديه ظاهر اللفظ[ إذ أمر ]{[22431]} بذكر اسم الرب لما يحصل له من الفوائد بذكرها ؛ لأن من أسمائه أسماء ترغبه في اكتساب الخيرات والإقبال[ على عبادة الرب ]{[22432]} ومنها ما يدعو الذاكر إلى الخوف والرهبة ، ومنها ما يوفقه{[22433]} على عجائب حكمته ولطف تدبيره وتقرير سلطانه وعظمته في قلبه ، ومنها ما يحدث له زيادة علم بصيرة ، وهي الأسماء المشتقة من الأفعال ، وإذا تأمل فيها عرف الوجه الذي منه اشتقت تلك الأسماء ، فذكر أسمائه يحدث ما ذكرنا من الفوائد والعلوم .

وقوله تعالى : { وتبتل إليه تبتيلا } فالتبتيل ، هو الانقطاع إلى الله تعالى ، وأن يقطع نفسه عن شهواتها ، ويصرفها عن لذاتها ؛ فكأنه قال : وتبتل إليه ، وبتل نفسك تبتيلا من الشهوات واللذات . ولذلك سميت مريم رضي الله عنها البتول ، لأنها قطعت نفسها عن منافع الدنيا ، وأقبلت إلى الآخرة ، وانقطعت إليه .


[22428]:في الأصل و م: التبتيل يقع.
[22429]:ساقطة من الأصل و م.
[22430]:في الأصل و م: فأمر.
[22431]:في الأصل و م: فأمر.
[22432]:في الأصل: عبادة، في م: على عبادة.
[22433]:في الأصل وم: يوقف