معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَهۡدِ لَهُمۡ كَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِن قَبۡلِهِم مِّنَ ٱلۡقُرُونِ يَمۡشُونَ فِي مَسَٰكِنِهِمۡۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٍۚ أَفَلَا يَسۡمَعُونَ} (26)

قوله تعالى : { أولم يهد } لم يتبين ، { لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إن في ذلك لآيات أفلا يسمعون } آيات الله وعظاته فيتعظون بها .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَهۡدِ لَهُمۡ كَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِن قَبۡلِهِم مِّنَ ٱلۡقُرُونِ يَمۡشُونَ فِي مَسَٰكِنِهِمۡۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٍۚ أَفَلَا يَسۡمَعُونَ} (26)

وبعد هذه الإشارة يأخذ السياق المكذبين في جولة مع مصارع الغابرين :

أو لم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم ? إن في ذلك لآيات . أفلا يسمعون ? .

ومصارع الغابرين من القرون تنطق بسنة الله في المكذبين ، وسنة الله ماضية لا تتخلف ولا تحابي . وهذه البشرية تخضع لقوانين ثابتة في نشوئها ودثورها ، وضعفها وقوتها . والقرآن الكريم ينبه إلى ثبات هذه القوانين ، واطراد تلك السنن ، ويتخذ من مصارع القرون ، وآثار الماضين ، الدارسة الخربة ، أو الباقية بعد سكانها موحشة . يتخذ منها معارض للعبرة ، وإيقاظ القلوب ، وإثارة الحساسية ، والخوف من بطش الله وأخذه للجبارين . كما يتخذ منها معارض لثبات السنن والنواميس . ويرفع بهذا مدارك البشر ومقاييسهم ، فلا ينعزل شعب أو جيل في حدود الزمان والمكان ؛ وينسى النظام الثابت في حياة البشر ، المطرد على توالي القرون . وإن كان الكثيرون ينسون العبرة حتى يلاقوا نفس المصير !

وإن للآثار الخاوية لحديثا رهيبا عميقا ، للقلب الشاعر ، والحس المبصر ، وإن له لرجفة في الأوصال ، ورعشة في الضمائر ، وهزة في القلوب . ولقد كان العرب المخاطبون بهذه الآية ابتداء يمشون في مساكن عاد وثمود ويرون الآثار الباقية من قرى قوم لوط . والقرآن يستنكر أن تكون مصارع هذه القرون معروضة لهم ؛ وأن تكون مساكن القوم أمامهم ، يمرون عليها ويمشون فيها ؛ ثم لا يستجيش هذا قلوبهم ، ولا يهز مشاعرهم ، ولا يستثير حساسيتهم بخشية الله ، وتوقي مثل هذا المصير ؛ ولا يهدي لهم ويبصرهم بالتصرف المنجي من استحقاق كلمة الله بالأخذ والتدمير :

( إن في ذلك لآيات . أفلا يسمعون ? ) . .

يسمعون قصص الغابرين الذين يمشون في مساكنهم ، أو يسمعون هذا التحذير ، قبل أن يصدق بهم النذير ، ويأخذهم النكير !

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَهۡدِ لَهُمۡ كَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِن قَبۡلِهِم مِّنَ ٱلۡقُرُونِ يَمۡشُونَ فِي مَسَٰكِنِهِمۡۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٍۚ أَفَلَا يَسۡمَعُونَ} (26)

{ أو لم يهد لهم } الواو للعطف على منوي من جنس المعطوف والفاعل ضمير ما دل عليه . { كم أهلكنا من قبلهم من القرون } أي كثرة من أهلكناهم من القرون الماضية ، أو ضمير الله بدليل القراءة بالنون . { يمشون في مساكنهم } يعني أهل مكة يمرون في متاجرهم على ديارهم ، وقرئ " يمشون " بالتشديد . { إن في ذلك لآيات أفلا يسمعون } سماع تدبر واتعاظ .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَهۡدِ لَهُمۡ كَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِن قَبۡلِهِم مِّنَ ٱلۡقُرُونِ يَمۡشُونَ فِي مَسَٰكِنِهِمۡۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٍۚ أَفَلَا يَسۡمَعُونَ} (26)

{ يهد } معناه يبين قاله ابن عباس ، وقرأ جمهور الناس «يهد » بالياء فالفاعل الله تعالى في قول فرقة والرسول في قول فرقة ، كأنه قال «أو لم يبين لهم الهدى » ، وجوز الكوفيون أن يكون الفاعل { كم } ، ولا يجوز ذلك عند البصريين لأنها في الخبر على حكمها في الاستفهام في أنها لا يعمل فيها ما قبلها ، وقرأ أبو عبد الرحمن «نهد » بالنون وهي قراءة الحسن وقتادة ، فالفاعل الله تعالى ، و { كم } في موضع نصب ، فعند الكوفيين ب «نهد » وعند البصريين ب { أهلكنا } ، على القراءتين جميعاً ، وقرأ جمهور الناس «يَمشون » بفتح الياء وتخفيف الشين ، وقرأ ابن السميفع اليماني «يُمَشّون » بضم الياء وفتح الميم وشد الشين ، وقرأ عيسى بن عمر «يُمْشُون » بضم الياء وسكون الميم وشين مضمومة مخففة ، والضمير في { يمشون } يحتمل أن يكون للمخاطبين بالتنبيه المحتج عليهم ، ويحتمل أن يكون للمهلكين ف { يمشون } في موضع الحال ، أي أهلكوا وهم ماشون في مساكنهم ، والضمير في { يسمعون } للمنبهين ، ومعنى هذه الآية إقامة الحجة على الكفرة بالأمم السالفة الذين كفروا فأهلكوا .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَهۡدِ لَهُمۡ كَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِن قَبۡلِهِم مِّنَ ٱلۡقُرُونِ يَمۡشُونَ فِي مَسَٰكِنِهِمۡۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٍۚ أَفَلَا يَسۡمَعُونَ} (26)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

ثم خوف كفار مكة فقال تعالى: {أو لم يهد لهم} يبين لهم.

{كم أهلكنا} بالعذاب {من قبلهم من القرون} الأمم الخالية.

{يمشون في مساكنهم}: يمرون على قراهم، يعني قوم لوط، وصالح، وهود، عليهم فيرون هلاكهم.

{إن في ذلك لآيات} لعبرة {أفلا يسمعون} الوعيد بالمواعظ.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: أَوَ لم يبين لهم؟... بمعنى: أو لم يبين لهم إهلاكنا القرون الخالية من قبلهم، سنتنا فيمن سلك سبيلهم من الكفر بآياتنا، فيتعظوا وينزجروا... وقوله:"يَمْشونَ فِي مَساكِنهمْ" يقول تعالى ذكره: أو لم يبين لهن كثرة إهلاكنا القرون الماضية من قبلهم يمشون في بلادهم وأرضهم، كعاد وثمود... وقوله: "إنّ فِي ذلكَ لآيات "يقول تعالى ذكره: إن في خلاء مساكن القرون الذين أهلكناهم من قبل هؤلاء المكذّبين بآيات الله من قريش من أهلها الذين كانوا سكانها وعمّارها بإهلاكنا إياهم لما كذّبوا رسلنا، وجحدوا بآياتنا، وعبدوا من دون الله آلهة غيره التي يمرّون بها فيعاينونها، لآيات لهم وعظات يتعظون بها، لو كانوا أولي حجا وعقول. يقول الله: "أفَلا يَسْمَعُونَ" عظات الله وتذكيره إياهم آياته، وتعريفهم مواضع حججه؟

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

أو لم يكفهم من الهداية والبيان ما أهلكنا من قبلهم من القرون.

{يمشون في مساكنهم} فيرون ما حل بهم ومن أهلك ومن نجا منهم، فيقع الاعتبار لهم بمن ذكر من وجهين: أحدهما: زعموا أن آباءهم على ما هم عليه وأنهم يقلدونهم في ذلك، وأنهم أمروا بذلك...

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

أو لم يعتبروا بمنازلِ أقوام كانوا في حَبرَةٍ فصاروا عبرة، كانوا في سرورٍ فآلوا إلى ثبور؛ فجميع ديارهم ومزارِهم صارت لأغيارهم، وصنوفُ أموالهم عادت إلى أشكالهم، سكنوا في ظلالهم ولم يعتبروا بمن مضى من أمثالهم.

جهود الإمام الغزالي في التفسير 505 هـ :

قصورهم وأملاكهم ومساكنهم صوامت ناطقة، تشهد بلسان حالها على غرور عمالها.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

{إن في ذلك لآيات أفلا يسمعون} اعتبر فيه السمع، لأنهم ما كان لهم قوة الإدراك بأنفسهم والاستنباط بعقولهم، فقال أفلا يسمعون، يعني ليس لهم درجة المتعلم الذي يسمع الشيء ويفهمه...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

... لما كان قرب شيء في الزمان أو المكان أدل، بين قربهم بإدخال الجار فقال: {من قبلهم} أي لأجل معاندة الرسل {من القرون} الماضين من المعرضين عن الآيات، ونجينا من آمن بها، وربما كان قرب المكان منزلاً منزلة قرب الزمان لكثرة التذكير بالآثار، والتردد خلال الديار.

ولما كان انهماكهم في الدنيا الزائلة قد شغلهم عن التفكر فيما ينفعهم عن المواعظ بالأفعال والأقوال، أشار إلى ذلك بتصوير اطلاعهم على ما لهم من الأحوال، بقوله: {يمشون} أي أنهم ليسوا بأهل للتفكر إلا حال المشي {في مساكنهم} لشدة ارتباطهم مع المحسوسات.

ولما كان السماع هو الركن الأعظم، وكان إهلاك القرون إنما وصل إليهم بالسماع، قال منكراً: {أفلا يسمعون} أي إن أحوالهم لا يحتاج من ذكرت له في الرجوع عن الغيّ إلى غير سماعها، فإن لم يرجع فهو ممن لا سمع له.

تيسير التفسير لاطفيش 1332 هـ :

{أو لم يَهْد لَهُم}... أأهملهم الله ولم يهد لهم، أي: يبين او لم يعطهم هداية، وهى هنا الاعلام والفاعل ضمير عائد الى الله...

{كَمْ} استفهام بمعنى التكثير... {أهْلكنا}... {من قَبْلِهم} متعلق بأهلكنا اى قبل زمانهم {مِن القُرون}... يمشون في مساكن القرون المهلكة اذا سافروا، ويعاينون آثارهم، والجملة حال من هاء لهم لا من القرون، لأن المشي ليس حال الإهلاك، اللهم إلا أن يراد حال ثبوت الإهلاك.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

واختير فعل الهداية في هذه الآية لإرادة الدلالة الجامعة للمشاهدة ولسماع أخبار تلك الأمم تمهيداً لقوله في آخرها {أفلا يسمعون}، ولأن كثرة ذلك المستفادة من {كَم} الخبرية إنما تحصل بترتيب الاستدلال في تواتر الأخبار، ولا تحصل دفعة كما تحصل دلالة المشاهدات، وفاعل {يَهْدِ} ما دلت عليه {كم} الخبرية من معنى الكثرة.

{يمشون في مساكنهم} حال من فاعل {أو لم يروا} [السجدة: 27] والمعنى: أنهم يمرون على المواضع التي فيها بقايا مساكنهم مثل حِجر ثمود وديار مدين فتعضد مشاهدةُ مساكنهم الأخبار الواردة عن استئصالهم، وهي دلائل إمكان البعث كما قال تعالى: {وما نحن بِمَسْبُوقِين على أن نبدل أمثالكم ونُنْشِئَكم فيما لا تعلمون} [الواقعة: 60، 61]