الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{أَوَلَمۡ يَهۡدِ لَهُمۡ كَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِن قَبۡلِهِم مِّنَ ٱلۡقُرُونِ يَمۡشُونَ فِي مَسَٰكِنِهِمۡۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٍۚ أَفَلَا يَسۡمَعُونَ} (26)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

ثم خوف كفار مكة فقال تعالى: {أو لم يهد لهم} يبين لهم.

{كم أهلكنا} بالعذاب {من قبلهم من القرون} الأمم الخالية.

{يمشون في مساكنهم}: يمرون على قراهم، يعني قوم لوط، وصالح، وهود، عليهم فيرون هلاكهم.

{إن في ذلك لآيات} لعبرة {أفلا يسمعون} الوعيد بالمواعظ.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: أَوَ لم يبين لهم؟... بمعنى: أو لم يبين لهم إهلاكنا القرون الخالية من قبلهم، سنتنا فيمن سلك سبيلهم من الكفر بآياتنا، فيتعظوا وينزجروا... وقوله:"يَمْشونَ فِي مَساكِنهمْ" يقول تعالى ذكره: أو لم يبين لهن كثرة إهلاكنا القرون الماضية من قبلهم يمشون في بلادهم وأرضهم، كعاد وثمود... وقوله: "إنّ فِي ذلكَ لآيات "يقول تعالى ذكره: إن في خلاء مساكن القرون الذين أهلكناهم من قبل هؤلاء المكذّبين بآيات الله من قريش من أهلها الذين كانوا سكانها وعمّارها بإهلاكنا إياهم لما كذّبوا رسلنا، وجحدوا بآياتنا، وعبدوا من دون الله آلهة غيره التي يمرّون بها فيعاينونها، لآيات لهم وعظات يتعظون بها، لو كانوا أولي حجا وعقول. يقول الله: "أفَلا يَسْمَعُونَ" عظات الله وتذكيره إياهم آياته، وتعريفهم مواضع حججه؟

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

أو لم يكفهم من الهداية والبيان ما أهلكنا من قبلهم من القرون.

{يمشون في مساكنهم} فيرون ما حل بهم ومن أهلك ومن نجا منهم، فيقع الاعتبار لهم بمن ذكر من وجهين: أحدهما: زعموا أن آباءهم على ما هم عليه وأنهم يقلدونهم في ذلك، وأنهم أمروا بذلك...

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

أو لم يعتبروا بمنازلِ أقوام كانوا في حَبرَةٍ فصاروا عبرة، كانوا في سرورٍ فآلوا إلى ثبور؛ فجميع ديارهم ومزارِهم صارت لأغيارهم، وصنوفُ أموالهم عادت إلى أشكالهم، سكنوا في ظلالهم ولم يعتبروا بمن مضى من أمثالهم.

جهود الإمام الغزالي في التفسير 505 هـ :

قصورهم وأملاكهم ومساكنهم صوامت ناطقة، تشهد بلسان حالها على غرور عمالها.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

{إن في ذلك لآيات أفلا يسمعون} اعتبر فيه السمع، لأنهم ما كان لهم قوة الإدراك بأنفسهم والاستنباط بعقولهم، فقال أفلا يسمعون، يعني ليس لهم درجة المتعلم الذي يسمع الشيء ويفهمه...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

... لما كان قرب شيء في الزمان أو المكان أدل، بين قربهم بإدخال الجار فقال: {من قبلهم} أي لأجل معاندة الرسل {من القرون} الماضين من المعرضين عن الآيات، ونجينا من آمن بها، وربما كان قرب المكان منزلاً منزلة قرب الزمان لكثرة التذكير بالآثار، والتردد خلال الديار.

ولما كان انهماكهم في الدنيا الزائلة قد شغلهم عن التفكر فيما ينفعهم عن المواعظ بالأفعال والأقوال، أشار إلى ذلك بتصوير اطلاعهم على ما لهم من الأحوال، بقوله: {يمشون} أي أنهم ليسوا بأهل للتفكر إلا حال المشي {في مساكنهم} لشدة ارتباطهم مع المحسوسات.

ولما كان السماع هو الركن الأعظم، وكان إهلاك القرون إنما وصل إليهم بالسماع، قال منكراً: {أفلا يسمعون} أي إن أحوالهم لا يحتاج من ذكرت له في الرجوع عن الغيّ إلى غير سماعها، فإن لم يرجع فهو ممن لا سمع له.

تيسير التفسير لاطفيش 1332 هـ :

{أو لم يَهْد لَهُم}... أأهملهم الله ولم يهد لهم، أي: يبين او لم يعطهم هداية، وهى هنا الاعلام والفاعل ضمير عائد الى الله...

{كَمْ} استفهام بمعنى التكثير... {أهْلكنا}... {من قَبْلِهم} متعلق بأهلكنا اى قبل زمانهم {مِن القُرون}... يمشون في مساكن القرون المهلكة اذا سافروا، ويعاينون آثارهم، والجملة حال من هاء لهم لا من القرون، لأن المشي ليس حال الإهلاك، اللهم إلا أن يراد حال ثبوت الإهلاك.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

واختير فعل الهداية في هذه الآية لإرادة الدلالة الجامعة للمشاهدة ولسماع أخبار تلك الأمم تمهيداً لقوله في آخرها {أفلا يسمعون}، ولأن كثرة ذلك المستفادة من {كَم} الخبرية إنما تحصل بترتيب الاستدلال في تواتر الأخبار، ولا تحصل دفعة كما تحصل دلالة المشاهدات، وفاعل {يَهْدِ} ما دلت عليه {كم} الخبرية من معنى الكثرة.

{يمشون في مساكنهم} حال من فاعل {أو لم يروا} [السجدة: 27] والمعنى: أنهم يمرون على المواضع التي فيها بقايا مساكنهم مثل حِجر ثمود وديار مدين فتعضد مشاهدةُ مساكنهم الأخبار الواردة عن استئصالهم، وهي دلائل إمكان البعث كما قال تعالى: {وما نحن بِمَسْبُوقِين على أن نبدل أمثالكم ونُنْشِئَكم فيما لا تعلمون} [الواقعة: 60، 61]