معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{أَمۡ حَسِبَ ٱلَّذِينَ يَعۡمَلُونَ ٱلسَّيِّـَٔاتِ أَن يَسۡبِقُونَاۚ سَآءَ مَا يَحۡكُمُونَ} (4)

قوله تعالى : { أم حسب الذين يعملون السيئات } يعني الشرك ، { أن يسبقونا } يعجزونا ويفوتونا ، فلا نقدر على الانتقام منهم ، { ساء ما يحكمون }أي : بئس ما حكموا حين ظنوا ذلك .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَمۡ حَسِبَ ٱلَّذِينَ يَعۡمَلُونَ ٱلسَّيِّـَٔاتِ أَن يَسۡبِقُونَاۚ سَآءَ مَا يَحۡكُمُونَ} (4)

وأما الذين يفتنون المؤمنين ، ويعملون السيئات ، فما هم بمفلتين من عذاب الله ولا ناجين . مهما انتفخ باطلهم وانتفش ، وبدا عليه الانتصار والفلاح . وعد الله كذلك وسنته في نهاية المطاف :

( أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ? ساء ما يحكمون ! ) . .

فلا يحسبن مفسد أنه مفلت ولا سابق ، ومن يحسب هذا فقد ساء حكمه ، وفسد تقديره ، واختل تصوره . فإن الله الذي جعل الابتلاء سنة ليمتحن إيمان المؤمن ويميز بين الصادقين والكاذبين ؛ هو الذي جعل أخذ المسيئين سنة لا تتبدل ولا تتخلف ولا تحيد .

وهذا هو الإيقاع الثاني في مطلع السورة ، الذي يوازن الإيقاع الأول ويعادله . فإذا كانت الفتنة سنة جارية لامتحان القلوب وتمحيص الصفوف ، فخيبة المسيئين وأخذ المفسدين سنة جارية لا بد أن تجيء .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَمۡ حَسِبَ ٱلَّذِينَ يَعۡمَلُونَ ٱلسَّيِّـَٔاتِ أَن يَسۡبِقُونَاۚ سَآءَ مَا يَحۡكُمُونَ} (4)

وقوله : { أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ } أي : لا يحسبن الذين لم يدخلوا في الإيمان أنهم يتخلصون من هذه الفتنة والامتحان ، فإن من ورائهم من العقوبة والنكال ما هو أغلظ من هذا وأطم ؛ ولهذا قال : { أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا } أي : يفوتونا ، { سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ } أي : بئس ما يظنون .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَمۡ حَسِبَ ٱلَّذِينَ يَعۡمَلُونَ ٱلسَّيِّـَٔاتِ أَن يَسۡبِقُونَاۚ سَآءَ مَا يَحۡكُمُونَ} (4)

أعقب تثبيت المؤمنين على ما يصيبهم من فتون المشركين وما في ذلك من الوعد والوعيد بزجر المشركين على ما يعملونه من السيئات في جانب المؤمنين وأعظم تلك السيئات فتونهم المسلمين . فالمراد بالذين يعملون السيئات الفاتنون للمؤمنين .

وهذا ووعيدهم بأن الله لا يفلتهم . وفي هذا أيضاً زيادة تثبيت للمؤمنين بأن الله ينصرهم من أعدائهم .

ف { أم } للإضراب الانتقالي ويقدر بعدها استفهام إنكاري .

و { السيئات } : الأعمال السوء . وهي التنكيل والتعذيب وفتون المسلمين .

والسبق : مستعمل مجازاً في النجاة والانفلات كقول مُرة بن عدَّاء الفقعسي

كأنك لم تُسْبَق من الدهر مرة *** إذا أنت أدركت الذي كنت تطلب

وقوله تعالى { وما نحن بمسبوقين على أن نبدّل أمثالكم } [ الواقعة : 60 ، 61 ] وقوله { فاستكبروا في الأرض وما كانوا سابقين فكُلاًّ أخذنا بذنبه } [ العنكبوت : 39 ، 40 ] .

وقد تقدم عند قوله تعالى { ولا يحسبَنّ الذين كفروا سبقوا } في سورة [ الأنفال : 59 ] . والمعنى : أم حسبوا أن قد شفوا غيظهم من المؤمنين ، فهم بذلك غلبوا أولياءنا فغلبونا .

وجملة { ساء ما يحكمون } ذمّ لحسبانهم ذلك وإبطال له . فهي مقررة لمعنى الإنكار في جملة { أم حَسِبَ الذين يعملون السيئات } فلها حكم التوكيد فلذلك فصلت .

وهذه الجملة تقتضي أن يكون هذا الحسبان واقعاً منهم . ومعنى وقوعه : أنهم اعتقدوا ما يساوي هذا الحسبان لأنهم حين لم يستطع المؤمنون رد فتنتهم قد اغتروا بأنهم غلبوا المؤمنين ، وإذ قد كان المؤمنون يدعون إلى الله دون الأصنام فمَنْ غلبهم فقد حسب أنه غلب من يدعون إليه وهم لا يشعرون بهذا الحسبان ، فافهمه .

والحُكم مستعمل في معنى الظن والاعتقاد تهكماً بهم بأنهم نصبوا أنفسهم منصب الذي يحكم فيطاع و { ما يحكمون } موصول وصلته ، أي ساء الحكم الذي يحكمونه .

وهذه الآية وإن كانت واردة في شأن المشركين المؤذين للمؤمنين فهي تشير إلى تحذير المسلمين من مشابهتهم في اقتراف السيئات استخفافاً بوعيد الله عليها لأنهم في ذلك يأخذون بشيء من مشابهة حسبان الانفلات ، وإن كان المؤمن لا يظن ذلك ولكنه ينزل منزلة من يظنه لإعراضه عن الوعيد حين يقترف السيئة .