{ أم حسب } ، قال ابن عطية : أم معادلة للألف في قوله : { أحسب } ، وكأنه عز وجل قرر الفريقين : قرر المؤمنين على ظنهم أنهم لا يفتنون ، وقرر الكافرين الذين يعملون السيئات في تعذيب المؤمنين وغير ذلك ، على ظنهم أنهم يسبقون نقمات الله ويعجزونه . انتهى .
وليست أم هنا معادلة للألف في أحسب ، كما ذكر ، لأنها إذ ذاك تكون متصلة ، ولها شرطان : أحدهما : أن يكون قبلها لفظ همزة الاستفهام ، وهذا الشرط هنا موجود .
والثاني : أن يكون بعدها مفرد ، أو ما هو في تقدير المفرد .
مثال المفرد : أزيد قائم أم عمرو ؟ ومثال ما هو في تقدير المفرد : أقام زيد أم قعد ؟ وجوابها : تعيين أحد الشيئين ، إن كان التعادل بين شيئين ؛ أو الأشياء ، إن كان بين أكثر من شيئين .
وهنا بعد أم جملة ، ولا يمكن الجواب هنا بأحد الشيئين ، بل أم هنا منقطعة ، بمعنى بل التي للإضراب ، بمعنى الانتقال من قضية إلى قضية ، لا بمعنى الإبطال .
وهمزة الاستفهام والاستفهام هنا للتقريع والتوبيخ والإنكار ، فلا يقتضي جواباً ، لأنه في معنى : كيف وقع حسبان لك ؟
و { الذين يعملون السيئات } ، قال ابن عباس : يريد الوليد بن المغيرة ، وأبا جهل ، والأسود ، والعاصي بن هشام ، وشيبة ، وعتبة ، والوليد بن عتبة ، وعقبة بن أبي معيط ، وحنظلة بن أبي سفيان ، والعاصي بن وائل ، وأنظارهم من صناديد قريش . انتهى .
والآية ، وإن نزلت على سبب ، فهي تعم جميع من يعمل السيئات من كافر ومسلم .
وقال مجاهد : { أن يسبقونا } : أي يعجزونا ، فلا نقدر على الانتقام ، وقيل : أن يعجلونا محتوم القضاء ، وقيل : أن يهربوا منا ويفوتونا بأنفسهم .
وقال الزمخشري : { أن يسبقونا } : أن يفوتونا ، يعني أن الجزاء يلحقهم لا محالة ، وهم لم يطمعوا في الفوت ، ولم يحدثوا به أنفسهم ، ولكنهم لغفلتهم وقلة فكرتهم في العاقبة ، وإصرارهم على المعاصي في صورة من يقدم ذلك ويطمع فيه ؛ ونظيره : { وما أنتم بمعجزين في الأرض } { ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا إنهم لا يعجزون } فإن قلت : أين مفعولاً حسب ؟ قلت : اشتمال صلة أن على مسند ومسند إليه سد مسد المفعولين ، كقولهم : { أم حسبتم أن تدخلوا الجنة } ويجوز أن تضمن حسب معنى قدر ، وأم منقطعة .
ومعنى الإضراب فيها أن هذا الحسبان الأول ، لأن ذلك يقدر أن لا يمتحن لإيمانه ، وهذا يظن أنه لا يجازى بمساويه . انتهى .
أمّا قوله : وهو لم يطمعوا في الفوت ، إلى آخر قوله : ويطمع فيه ، فليس كما ذكر ، بل هم معتقدون أن لا بعث ولا جزاء ، ولا سيما السرية التي نص عليها ابن عباس ، وما ذكره ، كما الزمخشري ، هو على اعتقاد من يعلم أن الله يجازيه ، ولكن طمع في عفو الله .
وأما قوله : اشتمال صلة أن ، إلى آخره ، فقد كان ينبغي أن يقدر ذلك في قوله : { أن يتركوا } ، فيجعل ذلك سد مسد المفعولين ، ولم يقدر ما لا يصح تقديره ، وأمّا قوله : ويجوز أن تضمن حسب معنى قدر ، فتعين إن أن وما بعدها في موضع مفعول واحد ، والتضمين ليس بقياس ، ولا يصار إليه إلا عند الحاجة إليه ، وهذا لا حاجة إليه .
{ ساء ما يحكمون } ، قال الزمخشري ، وابن عطية ما معناه : أن { ما } موصولة و { يحكمون } صلتها ، أو تمييز بمعنى شيء ، ويحكمون صفة ، والمخصوص بالذم محذوف ، فالتقدير : أي حكمهم .
وفي كون ما موصولة مرفوعة بساء ، أو منصوبة على التمييز خلاف مذكور في النحو .
وقال ابن كيسان : ما مصدرية ، فتقديره : بئس حكمهم .
وعلى هذا القول يكون التمييز محذوفاً ، أي ساء حكماً حكمهم .
وساء هنا بمعنى : بئس ، وتقدم حكم بئس إذا اتصل بها ما ، والفعل في قوله : { بئسما اشتروا به أنفسهم } مشبعاً في البقرة .
وجاء بالمضارع ، وهو { يحكمون } ، قيل : إشعاراً بأن حكمهم مذموم حالاً واستقبالاً ، وقيل : لأجل الفاصلة وقع المضارع موقع الماضي اتساعاً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.