الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{أَمۡ حَسِبَ ٱلَّذِينَ يَعۡمَلُونَ ٱلسَّيِّـَٔاتِ أَن يَسۡبِقُونَاۚ سَآءَ مَا يَحۡكُمُونَ} (4)

قوله : { أم حَسِبَ } : " أم " هذه منقطعةٌ فتتقدَّرُ ب بل والهمزةِ عند الجمهورِ ، والإِضرابُ انتقالٌ لا إبطال . وقال ابنُ عطية : " أم " معادِلَةٌ/ للألفِ في قولِه " أَحَسِبَ " ، وكأنَّه عَزَّ وجَلَّ قَرَّر الفريقين : قرر المؤمنين على [ ظَنِّهم أنَّهم ] لا يُفْتَنُون ، وقَرَّر الكافرين أنهم يَسْبِقُون عقابَ اللَّهِ " . قال الشيخ : " ليسَتْ معادِلةً ؛ إذ لو كانت كذلك لكانَتْ متصلةً . ولا جائزٌ أَنْ تكونَ متصلةً لفَقْدِ شرطَيْن ، أحدهما : أنَّ ما بعدَها ليس مفرداً ، ولا ما في قوته . والثاني : أنَّه لم يكن هنا ما يُجابُ به مِنْ أحد شيئين أو أشياء .

وجَوَّز الزمخشريُّ في " حَسِبَ " هذه أَنْ تتعدَّى لاثنين ، وجعل " أنَّ " وما في حَيِّزها سادةً مَسَدَّهما كقوله : { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ } [ البقرة : 214 ] ، وأَنْ تتعدَّى لواحدٍ على أنها تَضَمَّنَتْ معنى " قَدَّر " . إلاَّ أنَّ التضمينَ لا يَنْقاسُ .

قوله : { سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } : " ساء " يجوزُ أَنْ تكونَ بمعنى بِئْس ، فتكونُ " ما " : إمَّا موصولةً بمعنى الذي ، و " يَحْكمون " صلتُها . وهي فاعلُ " ساء " . والمخصوصُ بالذمِّ محذوفٌ أي : حُكْمُهم . ويجوز أَنْ تكونَ " ما " تمييزاً ، و " يَحْكُمون " صفتُها ، والفاعلُ مضمرٌ يُفَسِّره " ما " ، والمخصوصُ أيضاً محذوفٌ . ويجوزُ أَنْ تكونَ " ما " مصدريةً ، وهو قولُ ابنِ كَيْسان . فعلى هذا يكونُ التمييزُ محذوفاً ، والمصدرُ المؤولُ مخصوصٌ بالذمِّ أي : ساءَ حُكْماً حكمُهم . وقد تقدَّمَ حكمُ " ما " إذا اتصلَتْ ب " بِئْسَ " مُشْبعاً في البقرة . ويجوزُ أَنْ تكونَ " ساء " بمعنى قَبُح ، فيجوز في " ما " أَنْ تكونَ مصدريةً ، وبمعنى الذي ، ونكرةً موصوفَةً . وجيْءَ ب " يَحْكمون " دونَ حُكْمِه : إمَّا للتنبيهِ على أن هذا دَيْدَنُهم ، وإمَّا لوقوعِه مَوْقِعَ الماضي لأجلِ الفاصلة .