معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قُتِلَ ٱلۡإِنسَٰنُ مَآ أَكۡفَرَهُۥ} (17)

قوله عز وجل{ قتل الإنسان } أي لعن الكافر . قال مقاتل : نزلت في عتبة بن أبي لهب { ما أكفره } ما أشد كفره بالله مع كثرة إحسانه إليه وأياديه عنده ، على طريق التعجب ، قال الزجاج : معناه : أعجبوا أنتم من كفره . وقال الكلبي ومقاتل : هو ما الاستفهام ، يعني : أي شيء حمله على الكفر ؟ .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قُتِلَ ٱلۡإِنسَٰنُ مَآ أَكۡفَرَهُۥ} (17)

وبعد تقرير تلك الحقيقة الكبيرة في ثنايا التعقيب على ذلك الحادث ، في المقطع الأول من السورة ، يعجب السياق في المقطع الثاني من أمر هذا الإنسان ، الذي يعرض عن الهدى ، ويستغني عن الإيمان ، ويستعلي على الدعوة إلى ربه . . يعجب من أمره وكفره ، وهو لا يذكر مصدر وجوده ، وأصل نشأته ، ولا يرى عناية الله به وهيمنته كذلك على كل مرحلة من مراحل نشأته في الأولى والآخرة ؛ ولا يؤدي ما عليه لخالقه وكافله ومحاسبه :

( قتل الإنسان ما أكفره ! من أي شيء خلقه ! من نطفة خلقه فقدره . ثم السبيل يسره . ثم أماته فأقبره . ثم إذا شاء أنشره . كلا ! لما يقض ما أمره ) . .

( قتل الإنسان ! ) . . فإنه ليستحق القتل على عجيب تصرفه . . فهي صيغة تفظيع وتقبيح وتشنيع لأمره . وإفادة أنه يرتكب ما يستوجب القتل لشناعته وبشاعته . .

ما أكفره ! . . ما أشد كفره وجحوده ونكرانه لمقتضيات نشأته وخلقته . ولو رعى هذه المقتضيات لشكر خالقه ، ولتواضع في دنياه ، ولذكر آخرته . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قُتِلَ ٱلۡإِنسَٰنُ مَآ أَكۡفَرَهُۥ} (17)

يقول تعالى ذاما لمن أنكر البعث والنشور من بني آدم : ( قُتِلَ الإنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ ) قال الضحاك ، عن ابن عباس : ( قُتِلَ الإنْسَانُ ) لعن الإنسان . وكذا قال أبو مالك . وهذا لجنس الإنسان المكذب ؛ لكثرة تكذيبه بلا مستند ، بل بمجرد الاستبعاد وعدم العلم .

قال ابن جرير{[29699]} ( مَا أَكْفَرَهُ ) ما أشد كفره ! وقال ابن جرير : ويحتمل أن يكون المراد : أي شيء جعله كافرا ؟ أي : ما حمله على التكذيب بالمعاد{[29700]} .

وقال قتادة - وقد حكاه البغوي عن مقاتل والكلبي - : ( مَا أَكْفَرَهُ ) ما ألعنه .


[29699]:- (1) في أ: "ابن جريح"
[29700]:- (2) تفسير الطبري (30/35)، وقد تصرف الحافظ هنا في كلامه
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قُتِلَ ٱلۡإِنسَٰنُ مَآ أَكۡفَرَهُۥ} (17)

وقوله : قُتِلَ الإنْسانُ ما أكْفَرَهُ يقول تعالى ذكره : لعن الإنسانُ الكافر ما أكفره وبنحو الذي قلنا في ذلك قال مجاهد .

حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي ، قال : حدثنا عبد الحميد الحِمّانيّ ، عن الأعمش ، عن مجاهد ، قال : ما كان في القرآن قُتِلَ الإنْسانُ أو فُعل بالإنسان ، فإنما عني به الكافر .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان قُتِلَ الإنْسانُ ما أكْفَرَهُ بلغني أنه الكافر .

وفي قوله : أكْفَرَهُ وجهان . أحدهما : التعجب من كفره ، مع إحسان الله إليه ، وأياديه عنده . والاَخر : ما الذي أكفره ، أي أيّ شيء أكفَره ؟

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قُتِلَ ٱلۡإِنسَٰنُ مَآ أَكۡفَرَهُۥ} (17)

قتل الإنسان ما أكفره دعاه عليه بأشنع الدعوات وتعجب من إفراطه في الكفران وهو مع قصره يدل على سخط عظيم وذم بليغ .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قُتِلَ ٱلۡإِنسَٰنُ مَآ أَكۡفَرَهُۥ} (17)

استئناف ابتدائي نشأ عن ذكر من استغنى فإنه أريد به معين واحد أو أكثرُ ، وذلك يبيِّنه مَا وقع من الكلام الذي دار بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين صناديد المشركين في المجلس الذي دخل فيه ابن أم مكتوم .

والمناسبة وصفُ القرآن بأنه تذكرة لمن شاء أن يتذكر ، وإذ قد كان أكبر دواعيهم على التكذيب بالقرآن أنه أخبر عن البعث وطالَبهم بالإِيمان به كان الاستدلال على وقوع البعث أهم ما يعتنى به في هذا التذكير وذلك من أفنان قوله : { فمن شاء ذكره } [ عبس : 12 ] .

والذي عُرِّف بقوله : { من استغنى } [ عبس : 5 ] يشمله العموم الذي أفاده تعريف { الإِنسان } من قوله تعالى : { قتل الإنسان ما أكفره } .

وفعل قُتل فُلانٌ أصله دعاء عليه بالقتل . والمفسرون الأولون جعلوا : { قتل الإنسان } أنه لُعِن ، رواه الضحاك عن ابن عباس وقاله مجاهد وقتادة وأبو مالك . قال في « الكشاف » : « دعاء عليه وهذا من أشنع دعواتهم » ، أي فمورده غير مورد قوله تعالى : { قاتلهم اللَّه } [ التوبة : 30 ] وقولِهم : قاتَل الله فلاناً يريدون التعجب من حاله ، وهذا أمر مرجعه للاستعمال ولا داعي إلى حمله على التعجيب لأن قوله : { ما أكفره } يغني عن ذلك .

والدعاء بالسوء من الله تعالى مستعمل في التحقير والتهديد لظهور أن حقيقة الدعاء لا تناسب الإلهية لأن الله هو الذي يتوجه إليه الناس بالدعاء .

وبناء { قتل } للمجهول متفرع على استعماله في الدعاء ، إذ لا غرض في قاتِل يَقتله ، وكثر في القرآن مبنياً للمجهول نحو { فقتل كيف قدر } [ المدثر : 19 ] .

وتعريف { الإنسان } يجوز أن يكون التعريفَ المسمى تعريفَ الجنس فيفيد استغراق جميع أفراد الجنس ، وهو استغراق حقيقي ، وقد يراد به استغراق معظم الأفراد بحسب القرائن فتولَّدَ بصيغة الاستغراق ادعاء لعدم الاعتداد بالقليل من الأفراد ، ويسمى الاستغراق العرفي في اصطلاح علماء المعاني ، ويسمى العامَّ المرادَ به الخصوص في اصطلاح علماء الأصول والقرينة هنا ما بُين به كفر الإِنسان من قوله : { من أي شيء خلقه } إلى قوله : { ثم إذا شاء أنشره } فيكون المراد من قوله : { الإنسان } المشركين المنكرين البعث ، وعلى ذلك جملة المفسرين ، فإن معظم العرب يومئذ كافرون بالبعث .

قال مجاهد : ما كان في القرآن { قتل الإنسان } فإنما عُني به الكافر .

والأحكام التي يحكم بها على الأجناس يراد أنها غالبة على الجنس ، فالاستغراق الذي يقتضيه تعريف لفظ الجنس المحكوم عليه استغراق عرفي معناه ثبوت الحكم للجنس على الجملة ، فلا يقتضي اتصاف جميع الأفراد به ، بل قد يخلو عنه بعض الأفراد وقد يخلو عنه المتصف به في بعض الأحيان ، فقوله : { ما أكفره } تعجيب من كفر جنس الإنسان أو شدة كفره وإن كان القليل منه غير كافر .

فآل معنى الإنسان إلى الكفار من هذا الجنس وهم الغالب على نوع الإِنسان .

فغالب الناس كفروا بالله من أَقدم عصور التاريخ وتفَشَّى الكفر بين أفراد الإِنسان وانتصروا له وناضلوا عنه . ولا أعجبَ من كفر من أَلَّهوا أعْجز الموجودات من حجارة وخشب ، أو نَفَوا أن يكون لهم رب خلقهم .

ويجوز أن يكون تعريف { الإنسان } تعريف العهد لشخص معين من الإنسان يُعيِّنه خبر سبب النزول ، فقيل : أريد به أميةُ بن خلف ، وكان ممن حواه المجلس الذي غشيه ابن أم مكتوم ، وعندي أن الأولى أن يكون أراد به الوليد بن المغيرة .

وعن ابن عباس أن المراد عتبة بن أبي لهب ، وذكر في ذلك قصة لا علاقة لها بخبر المجلس الذي غشيه ابن أم مكتوم ، فتكون الجملة مستأنفة استئنافاً ابتدائياً ، والمناسبة ظاهرة .

وجملة { ما أكفره } تعليل لإنشاء الدعاء عليه دعاء التحقير والتهديد . وهذا تعجيب من شدة كفر هذا الإنسان .

ومعنى شدة الكفر أن كفره شديد كَمّاً وكيْفاً ، ومتىً ، لأنه كفر بوحدانية الله ، وبقدرته على إعادة خلق الأجسام بعد الفناء ، وبإرساله الرسول ، وبالوحي إليه صلى الله عليه وسلم وأنه كفر قوي لأنه اعتقاد قوي لا يقبل التزحزح ، وأنه مستمر لا يقلع عنه مع تكرر التذكير والإِنذار والتهديد .

وهذه الجملة بلغت نهاية الإِيجاز وأرفع الجزالة بأسلوب غليظ دال على السخط بالغ حدّ المذمة ، جامع للملامة ، ولم يسمع مثلها قبلها ، فهي من جوامع الكلم القرآنية .

وحذف المتعلِّق بلفظ { أكفره } لظهوره من لفظ « أكفَرَ » وتقديرُه : ما أكفره بالله .

وفي قوله : { قتل الإنسان ما أكفره } محسّن الاتِّزَان فإنه من بحر الرمل من عروضه الأولى المحذوفة .