محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{قُتِلَ ٱلۡإِنسَٰنُ مَآ أَكۡفَرَهُۥ} (17)

{ قتل الإنسان ما أكفره } قال الرازي اعلم أنه تعالى لما بدأ بذكر القصة المشتملة على ترفع صناديد قريش على فقراء المسلمين عجب عباده المؤمنين من ذلك ، فكأنه قيل : وأي سبب في هذا العجب والترفع ؟ مع أن أوله نطفة قذرة وآخره جيفة مذرة ، وفيما بين الوقتين حمال عذرة ، فلا جرم ذكر تعالى ما يصلح أن يكون علاجا لعجبهم وما يصلح أن يكون علاجا لكفرهم فإن خلقة الإنسان تصلح لأن يستدل بها على وجود الصانع وعلى القول بالبعث والحشر والنشر ومرجعه إلى أن المراد بالإنسان من استغنى عن القرآن الكريم الذي ذكرت نعوته الجليلة الموجبة للإقبال عليه والإيمان به وجوز أن يراد بالإنسان الجنس المنتظم للمستغنى ولأمثاله من أفراده لا باعتبار جميع أفراده .

لطائف : الأولى قال الزمخشري { قتل الإنسان } دعاء عليه وهي من أشنع دعواتهم لأن القتل قصارى شدائد الدنيا وفظائعها .

الثانية : قال ابن جرير{[7349]} في قوله { ما أكفره } وجهان أحدهما التعجب من كفره مع إحسان الله إليه وأياديه عنده ، والآخر ما الذي أكفره " أي أي شيء أكفره ، وعلى الثانية فالهمزة للتصيير ك ( أغد البعير ) .

الثالث : قال الزمخشري في هذه الآية ولا ترى أسلوبا أغلظ منه ولا أخشن متنا ولا أدل على سخط ولا أبعد شوطا في المذمة ، مع تقارب طرفيه ولا أجمع للائمة على قصر متنه وسره ما أشار له الرازي من أن قوله { قتل الإنسان } تنبيه على أنهم استحقوا أعظم أنواع العقاب وقوله { ما أكفره } تنبيه على أنهم اتصفوا بأعظم أنواع القبائح والمنكرات .

الرابعة أفاد في ( الكشف ) أن الدعاء ليس على حقيقته لامتناعه منه تعالى لأن منشأه العجز فالمراد به إظهار السخط باعتبار جزئه الأول وشدة الذم باعتبار جزئه الثاني أي لاستحالة التعجب بمعناه المعروف أيضا


[7349]:انظر الصفحة رقم 54 من الجزء الثلاثين (طبعة الحلبي الثانية).