تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{قُتِلَ ٱلۡإِنسَٰنُ مَآ أَكۡفَرَهُۥ} (17)

الآية 17 : وقوله تعالى : { قتل الإنسان ما أكفره } قالوا : تأويله : لعن الإنسان .

وذكر الحسن والمعتزلة أن هذا من الله تعالى على الشتم والتسمية له بذلك ، واستجازوا الشتم منه .

والأصل أن ليس في الشتم إلا ظهور سفه الشاتم وعبسه ؛ إذ لا ضرر يلحق بالمشتوم من جهة الشتم ، وإنما ضرر ذلك الشتم على الشاتم خاصة . وأما المشتوم فإنما يصير مشتوما بفعله لا بشتم الشاتم ، وجل الله تعالى عن أن ينسب إليه فعل السفه . فلذلك قلنا : إنه لا يتحقق معنى الشتم في الكلمة التي عرفت في ما بين الخلق إذا جاءت من الله تعالى كما لا يتحقق في الكلمة التي عرفت اغتيابا في ما بين الخلق إذا جاءت من الله تعالى معنى الاغتياب . بل يحتمل ذلك على الردع والتنبيه ، فيكون في ذكرها تخويف من خوطب بها ، وتذكير للخلق سفهه وجهله .

ألا ترى أن المرء في الشاهد قد يتكلم بما في هتك الستر على المخاطب ، ثم لا يعد ذلك منه اغتياب إذا قصد به وعظه وزجره عما هو ورشده إلى ما فيه صلاح آخرته وأولاه ؟ فكذلك الله تعالى إذا جاء منه ما يعد شتما من غيره واغتيابا لم يلحقه وصف الشتم والغيبة [ ويكون ]{[23131]} ذلك منه على التذكير والتنبيه للخلق وعلى التخويف والتهويل لمن نسب إليه ذلك .

وقوله تعالى : { ما أكفره } أي ما أقبح كفره وأوحشه وأشنعه لأنه علم أن جميع ما أنعم به من النعم فمن الله تعالى ، ثم هو لم يشكر نعمه ، ولا أطاعه في ما دعاه إليه ، بل وجه شكره إلى من لا ينفعه ولا يضره ، فعبد من لا يسمع ، ولا يبصر ، ولا يغني عنه شيئا ، ما هذا إلا غاية الفحش ونهاية القبح ، أو ما أوحش كفره وأقبحه بما سوى بين الشكور والكفور وبين المفسد والمصلح وبين الولي والعدو ، والعقل يوجب التفرقة بينهما ، فهو بإنكاره البعث كابر عقله ، وعانده ، فما أشد كفر من هذا وصفه .

ثم قوله تعالى : { ما أكفره } أي أي شيء أكفره ! فيكون في ذكره تعجيب لمن آمن من الخلائق وتذكير لهم عن سوء من هذا فعله وسوء معاملته مع ربه .


[23131]:في الأصل وم: إذ.