اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قُتِلَ ٱلۡإِنسَٰنُ مَآ أَكۡفَرَهُۥ} (17)

قوله تعالى : { قُتِلَ الإنسان مَآ أَكْفَرَهُ } . أي : لُعِنَ .

وقيل : عُذِّبَ ، والإنسان : الكافرُ .

روى الأعمشُ عن مجاهدٍ قال : ما كان في القرآن من قتل الإنسان ، فإن ما عني به الكافر{[59359]} .

قال النحويون : وهذا إما تعجبٌ ، أو استفهام تعجبٍ .

قال ابن الخطيب{[59360]} : اعلم أنَّه - تعالى - لما ذكر ترفُّع صناديد قريش على فقراء المسلمين عجب [ عباده ]{[59361]} المؤمنين من ذلك ، فكأنَّه قيل : وأيُّ سببٍ في هذا الترفُّع مع أنَّه أوله نطفة مَذِرَة ، وآخره جِيفةٌ قذرةٌ ، وهو فيما بين الوقتين حمال عذرة ، فلا جرم أن يذكر - تعالى - ما يصلُح أن يكون علاجاً لعجبهم ، وعلاجاً لكفرهم فإنَّ خلقة الإنسان تصلُح لأن يستدلّ بها على وجود الصانع ، ولأن يستدل بها على القول بالبعث والحشر .

قيل : نزلت في عتبةَ بنِ أبي لهبٍ ، والظاهر العموم .

وقوله تعالى : { قُتِلَ الإنسان } دعاء عليه بأشدِّ الأشياءِ ؛ لأنَّ القتل غاية شدائدِ الدُّنيا ، و { مَآ أَكْفَرَهُ } ، تعجُّبٌ من إفراطهِ في كفرانِ نعمةِ اللهِ .

فإن قيل : الدعاء على الإنسان إنما يليق بالعاجز ، والقادر على الكُلِّ كيف يليق به ذلك ؟ والتعجب أيضاً إنما يليق بالجاهل بسبب الشَّيء ، فالعالمُ به كيف يليق ذلك بِهِ ؟ .

فالجواب : أن ذلك ورد على أسلوب كلام العرب ، لبيان استحقاقهم لأعظم العقاب ، حيث أتوا بأعظم القبائحِ كقولهم إذا تعجَّبُوا من شيءٍ قاتلهُ اللهُ ما أخَسّه ، وأخزاه الله ما أظلمه ، والمعنى : اعجبوا من كفر الإنسان بجميع ما ذكرنا بعد هذا .


[59359]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/446)، من طريق الأعمش عن مجاهد. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/520)، وعزاه إلى ابن المنذر.
[59360]:ينظر: الفخر الرازي 31/54.
[59361]:سقط من: أ.