معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَيَٰقَوۡمِ ٱسۡتَغۡفِرُواْ رَبَّكُمۡ ثُمَّ تُوبُوٓاْ إِلَيۡهِ يُرۡسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيۡكُم مِّدۡرَارٗا وَيَزِدۡكُمۡ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمۡ وَلَا تَتَوَلَّوۡاْ مُجۡرِمِينَ} (52)

قوله تعالى : { ويا قوم استغفروا ربكم } ، أي : آمنوا به ، والاستغفار هاهنا بمعنى الإيمان ، { ثم توبوا إليه } ، من عبادة غيره ومن سالف ذنوبكم ، { يرسل السماء عليكم مدراراً } ، أي : يرسل المطر عليكم متتابعا ، مرة بعد أخرى في أوقات الحاجة ، { ويزدكم قوة إلى قوتكم } ، أي : شدة مع شدتكم . وذلك أن الله عز وجل حبس عنهم القطر ثلاث سنين ، وأعقم أرحام نسائهم فلم يلدن ، فقال لهم هود عليه السلام : إن آمنتم أرسل الله عليكم المطر ، فتزدادون مالا ، ويعيد أرحام الأمهات إلى ما كانت ، فيلدن فتزدادون قوة بالأموال والأولاد . وقيل تزدادون قوة في الدين إلى قوة البدن . { ولا تتولوا مجرمين } ، أي : لا تدبروا مشركين .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَيَٰقَوۡمِ ٱسۡتَغۡفِرُواْ رَبَّكُمۡ ثُمَّ تُوبُوٓاْ إِلَيۡهِ يُرۡسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيۡكُم مِّدۡرَارٗا وَيَزِدۡكُمۡ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمۡ وَلَا تَتَوَلَّوۡاْ مُجۡرِمِينَ} (52)

50

ثم يوجههم إلى الاستغفار والتوبة . ويكرر السياق التعبير ذاته الذي ورد في أول السورة على لسان خاتم الأنبياء ، ويعدهم هود ويحذرهم ما وعدهم محمد وحذرهم بعد ذلك بآلاف السنين :

( ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه ، يرسل السماء عليكم مدرارا ، ويزدكم قوة إلى قوتكم . ولا تتولوا مجرمين ) . .

استغفروا ربكم مما أنتم فيه ، وتوبوا إليه فابدأوا طريقا جديدا يحقق النية ويترجمها إلى عمل يصدق النية . .

( يرسل السماء عليكم مدرارا ) . .

وكانوا في حاجة إلى المطر يسقون به زروعهم ودوابهم في الصحراء ، ويحتفظون به بالخصب الناشئ من هطول الأمطار في تلك البقاع .

( ويزدكم قوة إلى قوتكم ) . .

هذه القوة التي عرفتم بها . .

( ولا تتولوا مجرمين ) . .

مرتكبين لجريمة التولي والتكذيب .

وننظر في هذا الوعد . وهو يتعلق بإدرار المطر ومضاعفة القوة . وهي أمور تجري فيها سنة الله وفق قوانين ثابتة في نظام هذا الوجود ، من صنع الله ومشيئته بطبيعة الحال . فما علاقة الاستغفار بها وما علاقة التوبة ؟

فأما زيادة القوة فالأمر فيها قريب ميسور ، بل واقع مشهود ، فإن نظافة القلب والعمل الصالح في الأرض يزيدان التائبين العاملين قوة . يزيدانهم صحة في الجسم بالاعتدال والاقتصار على الطيبات من الرزق وراحة الضمير وهدوء الأعصاب والاطمئنان إلى الله والثقة برحمته في كل آن ؛ ويزيدانهم صحة في المجتمع بسيادة شريعة الله الصالحة التي تطلق الناس أحرارا كراما لا يدينون لغير الله على قدم المساواة بينهم أمام قهار واحد تعنو له الجباه . . كما تطلقان طاقات الناس ليعملوا وينتجوا ويؤدوا تكاليف الخلافة في الأرض ؛ غير مشغولين ولا مسخرين بمراسم التأليه للأرباب الأرضية وإطلاق البخور حولها ودق الطبول ، والنفخ فيها ليل نهار لتملأ فراغ الإله الحق في فطرة البشر !

والملحوظ دائما أن الأرباب الأرضية تحتاج ويحتاج معها سدنتها وعبادها أن يخلعوا عليها بعض صفات الألوهية من القدرة والعلم والإحاطة والقهر والرحمة . . أحيانا . . كل ذلك ليدين لها الناس ! فالربوبية تحتاج إلى ألوهية معها تخضع بها العباد ! وهذا كله يحتاج إلى كد ناصب من السدنة والعباد وإلى جهد ينفقه من يدينون لله وحده في عمارة الأرض والنهوض بتكاليف الخلافة فيها ، بدلا من أن ينفقه عباد الأرباب الأرضية في الطبل والزمر والتراتيل والتسابيح لهذه الأرباب المفتراة !

ولقد تتوافر القوة لمن لا يحكمون شريعة الله في قلوبهم ولا في مجتمعهم ، ولكنها قوة إلى حين . حتى تنتهي الأمور إلى نهايتها الطبيعية وفق سنة الله ، وتتحطم هذه القوة التي لم تستند إلى أساس ركين . إنما استندت إلى جانب واحد من السنن الكونية كالعمل والنظام ووفرة الإنتاج . وهذه وحدها لا تدوم . لأن فساد الحياة الشعورية والاجتماعية يقضي عليها بعد حين .

فأما إرسال المطر . مدرارا . فالظاهر للبشر أنه يجري وفق سنن طبيعية ثابتة في النظام الكوني . ولكن جريان السنن الطبيعية لا يمنع أن يكون المطر محييا في مكان وزمان ، ومدمرا في مكان وزمان ؛ وأن يكون من قدر الله أن تكون الحياة مع المطر لقوم ، وأن يكون الدمار معه لقوم ، وأن ينفذ الله تبشيره بالخير ووعيده بالشر عن طريق توجيه العوامل الطبيعية ؛ فهو خالق هذه العوامل ، وجاعل الأسباب لتحقيق سنته على كل حال . ثم تبقى وراء ذلك مشيئة الله الطليقة التي تصرف الأسباب والظواهر بغير ما اعتاد الناس من ظواهر النواميس وذلك لتحقيق قدر الله كيفما شاء . حيث شاء . بالحق الذي يحكم كل شيء في السماوات والأرض غير مقيد بما عهده الناس في الغالب .

/خ60

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَيَٰقَوۡمِ ٱسۡتَغۡفِرُواْ رَبَّكُمۡ ثُمَّ تُوبُوٓاْ إِلَيۡهِ يُرۡسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيۡكُم مِّدۡرَارٗا وَيَزِدۡكُمۡ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمۡ وَلَا تَتَوَلَّوۡاْ مُجۡرِمِينَ} (52)

ثم أمرهم بالاستغفار الذي فيه تكفير الذنوب السالفة ، وبالتوبة عما يستقبلون [ من الأعمال السابقة ]{[14675]} ومن اتصف بهذه الصفة يسر الله عليه رزقه ، وسهل عليه أمره وحفظ [ عليه ]{[14676]} شأنه [ وقوته ]{[14677]} ؛ ولهذا قال : { يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا } [ نوح : 11 ] ، و[ كما جاء ]{[14678]} وفي الحديث : " من لزم{[14679]} الاستغفار جعل الله له من كل هَم فرجا ، ومن كل ضيق مخرجا ، ورزقه من حيث لا يحتسب " .


[14675]:- زيادة من ت ، أ.
[14676]:- زيادة من ت ، أ.
[14677]:- زيادة من ت ، أ.
[14678]:- زيادة من ت ، أ.
[14679]:- في ت ، أ : "أكثر من".