( لا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد مذموما مخذولا ) .
إنه النهي عن الشرك والتحذير من عاقبته ، والأمر عام ، ولكنه وجه إلى المفرد ليحس كل أحد أنه أمر خاص به ، صادر إلى شخصه . فالاعتقاد مسألة شخصية مسؤول عنها كل فرد بذاته ، والعاقبة التي تنتظر كل فرد يحيد عن التوحيد أن " يقعد " ( مذموما ) بالفعلة الذميمة التي أقدم عليها ، ( مخذولا ) لا ناصر له ، ومن لا ينصره الله فهو مخذول وإن كثر ناصروه . ولفظ ( فتقعد ) يصور هيئة المذموم المخذول وقد حط به الخذلان فقعد ، ويلقي ظل الضعف فالقعود هو أضعف هيئات الإنسان وأكثرها استكانة وعجزا ، وهو يلقي كذلك ظل الاستمرار في حالة النبذ والخذلان ، لأن القعود لا يوحي بالحركة ولا تغير الوضع ، فهو لفظ مقصود في هذا المكان .
القول في تأويل قوله تعالى { لاّ تَجْعَل مَعَ اللّهِ إِلََهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مّخْذُولاً } .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : لا تجعل يا محمد مع الله شريكا في ألوهته وعبادته ، ولكن أخلص له العبادة ، وأفرد له الألوهة ، فإنه لا إله غيره ، فإنك إن تجعل معه إلها غيره ، وتعبد معه سواه ، تقعد مذموما يقول : تصير ملوما على ما ضيعت من شكر الله على ما أنعم به عليك من نعمه ، وتصييرك الشكر لغير من أولاك المعروف ، وفي إشراكك في الحمد من لم يشركه في النعمة عليك غيره ، مخذولاً قد أسلمك ربك لمن بغاك سوءا ، وإذا أسلمك ربك الذي هو ناصر أوليائه لم يكن لك من دونه وليّ ينصرك ويدفع عنك . كما :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله لا تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إلَها آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوما مَخْذُولاً يقول : مذموما في نعمة الله . وهذا الكلام وإن كان خرج على وجه الخطاب النبيّ لله صلى الله عليه وسلم ، فهو معنيّ به جميع من لزمه التكليف من عباد الله جلّ وعزّ .
تذييل هو فذلكة لاختلاف أحوال المسلمين والمشركين ، فإن خلاصة أسباب الفوز ترك الشرك لأن ذلك هو مبدأ الإقبال على العمل الصالح فهو أول خطوات السعي لمريد الآخرة ، لأن الشرك قاعدة اختلال التفكير وتضليل العقول ، قال الله تعالى في ذكر آلهة المشركين { وما زادوهم غير تتبيب } [ هود : 101 ] .
والخطاب للنبيء تبعٌ لخطاب قوله : { انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض } [ الإسراء : 21 ] . والمقصود إسماعُ الخطاب غيره بقرينة تحقق أن النبي قائم بنبذ الشرك ومُنْح على الذين يعبدون مع الله إلهاً آخر .
وتقعد } مستعار لمعنى المكث والدوام . أريد بهذه الاستعارة تجريد معنى النهي إلى أنه نهي تعريض بالمشركين لأنهم متلبسون بالذم والخذلان . فإن لم يقلعوا عن الشرك داموا في الذم والخذلان .
والمذموم : المذكور بالسوء والعيب .
فأما ذمه فمن ذوي العقول ، إذ أعظم سُخرية أن يتخذ المرء حجراً أو عُوداً رباً له ويعبده ، كما قال إبراهيم عليه السلام { أتعبدون ما تنحتون } [ الصافات : 95 ] ، وذمهُ من اللّهِ على لسان الشرائع .
وأما خذلانه فلأنه اتخذ لنفسه ولياً لا يغني عنه شيئاً { إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم } [ فاطر : 14 ] ، وقال إبراهيم عليه السلام { يا أبت لِمَ تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً } [ مريم : 42 ] ، وخذلانه من الله لأنه لا يتولى من لا يتولّاه قال : { ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم } [ محمّد : 11 ] وقال { وما دعاء الكافرين إلا في ضلال } [ غافر : 50 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.