معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَرِحِينَ بِمَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦ وَيَسۡتَبۡشِرُونَ بِٱلَّذِينَ لَمۡ يَلۡحَقُواْ بِهِم مِّنۡ خَلۡفِهِمۡ أَلَّا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ} (170)

قوله تعالى : { فرحين بما آتاهم الله من فضله } . رزقه وثوابه .

قوله تعالى : { ويستبشرون } . ويفرحون .

قوله تعالى : { بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم } . من إخوانهم الذين تركوهم أحياءً في الدنيا على مناهج الإيمان والجهاد لعلمهم أنهم إذا استشهدوا لحقوا بهم ونالوا من الكرامة ما نالوا ، فهم لذلك مستبشرون .

قوله تعالى : { أن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون } .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَرِحِينَ بِمَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦ وَيَسۡتَبۡشِرُونَ بِٱلَّذِينَ لَمۡ يَلۡحَقُواْ بِهِم مِّنۡ خَلۡفِهِمۡ أَلَّا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ} (170)

121

ويخبرنا كذلك بما لهم من خصائص الحياة الأخرى :

( فرحين بما آتاهم الله من فضله ) . .

فهم يستقبلون رزق الله بالفرح ؛ لأنهم يدركون أنه " من فضله " عليهم . فهو دليل رضاه وهم قد قتلوا في سبيل الله . فأي شيء يفرحهم إذن أكثر من رزقه الذي يتمثل فيه رضاه ؟

ثم هم مشغولون بمن وراءهم من إخوانهم ؛ وهم مستبشرون لهم ؛ لما علموه من رضى الله عن المؤمنين المجاهدين :

( ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) . ( يستبشرون بنعمة من الله وفضل ، وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين ) .

إنهم لم ينفصلوا من إخوانهم ( الذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ) ولم تنقطع بهم صلاتهم . إنهم " أحياء " كذلك معهم ، مستبشرون بما لهم في الدنيا والآخرة . موضع استبشارهم لهم : ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون . .

/خ179

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَرِحِينَ بِمَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦ وَيَسۡتَبۡشِرُونَ بِٱلَّذِينَ لَمۡ يَلۡحَقُواْ بِهِم مِّنۡ خَلۡفِهِمۡ أَلَّا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ} (170)

وفي نصب قوله : { فَرِحِين } وجهان : أحدهما : أن يكون منصوبا على الخروج من قوله : { عِنْدَ رَبّهِمْ } والاَخر من قوله : { يُرْزَقُون } . ولو كان رفعا بالردّ على قوله : «بل أحياء فرحون » كان جائزا .

القول في تأويل قوله : { ويَسْتَبْشِرُونَ بالّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أنْ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ } .

يعني بذلك تعالى ذكره : ويفرحون بمن لم يلحق بهم من إخوانهم الذين فارقوهم وهم أحياء في الدنيا على مناهجهمّ ، من جهاد أعداء الله مع رسوله ، لعلمهم بأنهم إن استشهدوا فلحقوا بهم ، صاروا من كرامة الله إلى مثل الذي صاروا هم إليه ، فهم لذلك مستبشرون بهم ، فرحون أنهم إذا صاروا كذلك ، { لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ } يعني بذلك : لا خوف عليهم لأنهم قد أمنوا عقاب الله ، وأيقنوا برضاه عنهم ، فقد أمنوا الخوف الذي كانوا يخافونه من ذلك في الدنيا ، ولا هم يحزنون على ما خلفوا وراءهم من أسباب الدنيا ، ونكد عيشها ، للخَفْض الذي صاروا إليه والدعة والزّلفة ، ونصب أن لا بمعنى : يستبشرون لهم بأنهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون .

وبنحو ما قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { ويَسْتَبْشِرُونَ بالّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ } . . . الاَية ، يقول : لإخوانهم الذين فارقوهم على دينهم وأمرهم لما قدموا عليه من الكرامة والفضل والنعيم الذي أعطاهم .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج : { ويَسْتَبْشِرُونَ بالّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ } . . . الاَية ، قال يقول : إخواننا يقتلون كما قتلنا ، يلحقون فيصيبون من كرامة الله تعالى ما أصبنا .

حُدثت عن عمار ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : ذكر لنا عن بعضهم في قوله : { وَلا تَحْسَبنّ الّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أمْواتا بَلْ أحيْاءٌ عِنْدَ رَبّهِمْ يُرْزَقُونَ } قال : هم قتلى بدر وأُحد ، زعموا أن الله تبارك وتعالى لما قبض أرواحهم ، وأدخلهم الجنة ، جعلت أرواحهم في طير خضر ترعى في الجنة ، وتأوي إلى قناديل من ذهب تحت العرش . فلما رأوا ما أعطاهم الله من الكرامة ، قالوا : ليت إخواننا الذين بعدنا يعلمون ما نحن فيه ! فإذا شهدوا قتالاً تعجلوا إلى ما نحن فيه ! فقال الله تعالى : إني منزل على نبيكم ومخبر إخوانكم بالذي أنتم فيه ! ففرحوا به واستبشروا ، وقالوا : يخبر الله نبيكم وإخوانكم بالذي أنتم فيه ، فإذا شهدوا قتالاً أتوكم . قال : فذلك قوله : { فَرِحِينَ بمَا آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ } . . . إلى قول : { أجْرَ المُؤْمِنِينَ } .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : { ويَسْتَبْشِرُونَ بالّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ } : أي ويُسَرّون بلحوق من لحق بهم من إخوانهم على ما مضوا عليه من جهادهم ، ليشركوهم فيما هم فيه من ثواب الله الذي أعطاهم ، وأذهب الله عنهم الخوف والحزن .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { ويَسْتَبْشِرُونَ بالّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ } قال : هم إخوانهم من الشهداء ممن يستشهد من بعدهم ، { لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ } حتى بلغ : { وأنّ اللّهَ لا يُضِيعُ أجْرَ المُؤْمِنِينَ } .

حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : أما { يَسْتَبْشِرُونَ بالّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ } ، فإن الشهيد يؤتى بكتاب فيه من يقدم عليه من إخوانه وأهله ، فيقال : يقدم عليك فلان يوم كذا وكذا ، ويقدم عليك فلان يوم كذا وكذا ! فيستبشر حين يقدم عليه ، كما يستبشر أهل الغائب بقدومه في ما الدنيا .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَرِحِينَ بِمَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦ وَيَسۡتَبۡشِرُونَ بِٱلَّذِينَ لَمۡ يَلۡحَقُواْ بِهِم مِّنۡ خَلۡفِهِمۡ أَلَّا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ} (170)

قولُه : { فرحين } حال من ضمير { يرزقون } .

والاستبشار : حصول البشارة ، فالسين والتاء فيه كما هما في قوله تعالى : { واستغنى اللَّه } [ التغابن : 6 ] وقد جمع اللَّهُ لهم بين المسرّة بأنفسهم والمسرّة بمن بقي من إخوانهم ، لأنّ في بقائهم نكاية لأعدائهم ، وهم مع حصول فضل الشهادة لهم على أيدي الأعداء يتمنّون هلاك أعدائهم ، لأنّ في هلاكهم تحقيق أمنية أخرى لهم وهي أمنية نصر الدين .

فالمراد { بالذين لم يلحقوا بهم } رفقاؤهم الذين كانوا يجاهدون معهم ، ومعنى لم يلحقوا بهم لم يستشهدوا فيصيروا إلى الحياة الآخرة .

و { من خلفهم } تمثيل بمعنى من بعدهم ، والتقدير : ويستبشرون بالذين لم يصيروا إلى الدار الآخرة مِن رفاقهم بأَمْنِهم وانتفاءِ ما يُحْزنهم . وقوله : { ألا خوف عليهم } بدل اشتمال ، و ( لا ) عاملة عمل ليس ومفيدة معناها ، ولم يُبن اسم ( لا ) على الفتح هنا لظهور أنّ المقصود نفي الجنس ولا احتمال لنفي الوحدة فلا حاجة لبناء النكرة على الفتح ، وهو كقول إحدى نساء حديث أمّ زرع : « زوجي كلَيْلِ نِهَامَة ، لا حرٌّ ولا قرّ ولا مخافة ولا سَآمَهْ » برفع الأسماء النكرات الثلاثة .

وفي هذا دلالة على أنّ أرواح هؤلاء الشهداء مُنحت الكشفَ على ما يسرّها من أحوال الذين يهمّهم شأنهم في الدنيا . وأنّ هذا الكشف ثابت لجميع الشهداء في سبيل الله ، وقد يكون خاصّاً الأحوال السارّة لأنّها لذّة لها . وقد يكون عامّاً لِجميع الأحوال لأنّ لذّة الأرواح تحصل بالمعرفة ، على أنّ الإمام الرازي حَصَر اللذّة الحقيقية في المعارف . وهي لذّة الحكماء بمعرفة حقائق الأشياء ، ولو كانت سيئة .

وفي الآية بشارة لأصحاب أُحُد بأنّهم لا تلحقهم نكبة بعد ذلك اليوم .