تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{فَرِحِينَ بِمَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦ وَيَسۡتَبۡشِرُونَ بِٱلَّذِينَ لَمۡ يَلۡحَقُواْ بِهِم مِّنۡ خَلۡفِهِمۡ أَلَّا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ} (170)

الآية 170 وقوله تعالى : { يرزقون } فرحين بما آتاهم الله من فضله } روي عن مسروق أنه قال : سألت عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن هذه الآية : { ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله } الآية قال : سألت عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " أرواحهم عند الله في حواصل طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح في الجنة في أيها شاءت ثم تأوي إلى قناديلها " ( مسلم 1887 ) والحديث طويل .

وقوله تعالى : { ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم } الآية عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال : { ينزل عليهم صحف مكتوب فيها من يلحق بهم من الشهداء فبذلك يستبشرون ) وقيل : { ويستبشرون } لإخوانهم الذين فارقوهم على دينهم وأمرهم بما قدموا عليه من الكرامة والفضل والنعم التي أعطاهم الله وقيل : { ويستبشرون } / 73 –ب/ يعني يفرحون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم يعني من بعدهم من إخوانهم في الدنيا رأوا قتالا استشهدوا فلحقوا وقيل : { لم يلحقوا بهم من خلفهم } الذين يدخلون في الإسلام من بعدهم والاستبشار من بعدهم هو الفرح أو طلب البشارة كأنهم طلبوا البشارة لقومهم ليعلموا بكرامتهم عند الله ومنزلتهم كقول من { قال يا ليت قومي يعلمون } { بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين } ( يس 26 و27 ) وقيل : إن الحياة على ضربين : حياة الطبيعي وحياة العرضي وكذلك الموت على وجهين : موت الطبيعي وموت العرضي . ثم حياة العرضي على وجوه : أحدهما : حياة الدين والطاعة كقوله عز وجل { أو من كان ميتا فأحييناه } ( الأنعام 122 ) وحياة العلم والبصيرة واليقظة سمي العالم حيا والجاهل ميتا ، وحياة الزينة والشرف على ما سمى الله تعالى الأرض ميتة في حال يبوستها وحية في حال خروج النبات منها بقوله عز وجل : { فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت } ( الحج 5 ) ( إنه هو ){[4587]} الذي أحياها ، وحياة الذكر واللذة فجائز أن يكون الله تعالى لما أخبر أنهم { أحياء عند ربهم } أن يكون لهم حياة من الوجوه التي ذكر : حياة ذكر ولذة أو حياة زينة وشرف أو حياة العلم بأهل الدنيا على ما كان لهم قبل ذلك أو حياة دين وعبادة أو يجزي عليهم أعمالهم قبل الشهادة وإن كانت أجسامهم في الحقيقة ميتة في أحكام الدنيا عند أهل الدنيا . وهذا يقوي قولنا في المرتد : إنه إذا لحق بدار يحكم في نفسه وماله في قسمة المواريث وإن كان هو في الحقيقة حيا على ما حكم في أموال الشهداء وأنفسكم بحكم الموتى لما ( لا يعودون ) {[4588]} على الدنيا وإن كانوا عند ربهم أحياء فعلى ذلك يحكم في نفس المرتد وأمواله بحكم الموتى لما لا يعود إلى دارنا وإن كان هو في الحقيقة حيا عند الله لما جاز أن يكون حيا عند الله ميتا عندنا جاز أن يكون ميتا عندنا حيا عند الله والله أعلم .

وحياة الطبيعي وهو هلاكه وموته والله أعلم وموت العرضي هو جهله والله أعلم .


[4587]:في الأصل و م: إن.
[4588]:في الأصل و م يعدون.