نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{فَرِحِينَ بِمَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦ وَيَسۡتَبۡشِرُونَ بِٱلَّذِينَ لَمۡ يَلۡحَقُواْ بِهِم مِّنۡ خَلۡفِهِمۡ أَلَّا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ} (170)

{ فرحين بما آتاهم الله } أي الحاوي لجميع الكمال من ذلك الفوز الكبير { من فضله } لأنه لو حاسبهم على أقل نعمة من نعمة لم توف{[19762]} جميع أعمالهم بها{[19763]} لأن أعمالهم من نعمه{[19764]} ، فأعلمنا سبحانه وتعالى بهذا تسلية{[19765]} وحسن تعزية أن لم يفت منهم إلا حياة الكدر التي لا مطمع{[19766]} لأحد في بقائها وإن طال المدى ، وبقيت لهم حياة الصفاء التي لا انفكاك لها ولا آخر لنعيمها بغم يلحقهم ولا فتنة تنالهم ولا حزن يعتريهم ولا دهش يلم بهم في وقت الحشر ولا غيره ، فلا غفلة{[19767]} لهم ، فكان ذلك مذهباً لحزن من خلفوه ومرغباً لهم في الأسباب الموصلة إلى مثل حالهم ، وهذا - والله سبحانه وتعالى أعلم - معنى الشهادة ، أي أنهم ليست لهم حال غيبة ، لأن دائم الحياة بلا كدر أصلاً كذلك .

ولما ذكر سرورهم بما نالوه ذكر سرورهم بما علموه لمن هو على دينهم فقال : { ويستبشرون } أي توجد{[19768]} لهم البشرى وجوداً عظيم الثبات حتى كأنهم يوجدونها كلما{[19769]} أرادوا { بالذين لم يلحقوا بهم } أي في الشهادة في هذه الغزوة . ثم بين ذلك بقوله : { من خلفهم } أي في الدنيا . ثم يبن المبشر به فقال : { ألاّ خوف عليهم } أي على إخوانهم في آخرتهم { ولا هم يحزنون * } أي أصلاً ، لأنه لا يفقد منه شيء ، بل هم كل لحظة في زيادة ، وهذا أعظم البشرى لمن تركوا على مثل حالهم من المؤمنين ، لأنهم يلحقونهم{[19770]} في مثل ذلك ، لأن السبب واحد ، وهو منحة{[19771]} الله لهم{[19772]} بالقتل فيه ، أو مطلق الإيمان لمطلق ما هم فيه من السعادة بغير قيد الشهادة .


[19762]:في ظ: لم يوف.
[19763]:زيد ما بين الحاجزين من ظ.
[19764]:من ظ، وفي الأصل: نعمة.
[19765]:في الأصل وظ: تسيلة ـ كذا.
[19766]:من ظ، وفي الأصل: يطمع.
[19767]:من ظ، وفي الأصل: عقل.
[19768]:من ظ، وفي الأصل: توخذ.
[19769]:في ظ: فلما.
[19770]:في ظ: يلحقونه.
[19771]:في ظ: متجه.
[19772]:زيد من ظ.