جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{فَرِحِينَ بِمَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦ وَيَسۡتَبۡشِرُونَ بِٱلَّذِينَ لَمۡ يَلۡحَقُواْ بِهِم مِّنۡ خَلۡفِهِمۡ أَلَّا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ} (170)

{ فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألاّ خوفٌ عليهم } : لوقوع محذور ، { ولا هم يحزنون{[879]} } : لفوات محبوب وألا خوف بدل اشتمال من الذين يستبشرون بعدم الخوف والحزن على الذين خلفهم من المؤمنين بشرهم الله بذلك أو يسرون{[880]} بلحوق من لحقهم عن إخوانهم على ما مضوا عليه من جهادهم ليشركوهم فيما هم فيه من الكرامة قال السدي : يؤتى الشهيد بكتاب فيه يقدم عليك فلان يوم كذا وفلان يوم كذا وفلان يوم كذا ، فيسر بذلك كما تسرون بقدوم الغائب ، وقال : بعضهم لما قتلوا ورأوا الكرامة قالوا : يا ليت إخواننا{[881]} يعلمون ما عرفناه ، فباشروا القتال بالرغبة ، فأخبر الله نبيه بأمرهم ، ثم الله أخبرهم بأني قد أخبرت بأمركم نبيكم ، فاستبشروا بذلك فذلك قوله : ( ويستبشرون بالذين لم يلحقوا ) إلى آخره .


[879]:أخرج أحمد، وأبو يعلى، والبيهقي في الأسماء والصفات عن نعيم بن حماد أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الشهداء أفضل؟ قال (الذين إن يلقوا في الصف لا يلفتون وجوههم حتى يقتلوا أولئك ينطلقون في الغرف العالية من الجنة، ويضحك إليهم ربهم إلى وإذا ضحك ربك إلى عبد في الدنيا فلا حساب عليه/12 در منثور [أخرجه أحمد (287/5) بسند رجاله ثقات خلا إسماعيل بن عياش وهو صدوق في روايته عن أهل بلده، وهذا منها]. قوله صلى الله عليه وسلم (ويضحك إليهم ربهم).. إلخ ضحك الرب عز وجل من صفاته، وقد جاء ذكر الضحك في الأحاديث الصحيحة الثابتة يجب الإيمان به قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية قدس الله سره في بعض فتاواه: وقول القائل: إن الضحك خفة روح ليس بصحيح، وإن كان ذلك قد يقارنه، ثم قول القائل خفة الروح أراد به وصفا مذموما فهذا يكون لما لا ينبغي أن يضحك منه، وإلا فالضحك في موضعه المناسب له صفة مدح وكمال وإذا قدر حيان أحدهما يضحك مما يضحك منه، والآخر لا يضحك قط كان الأول أكمل من الثاني، ولهذا لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ينظر إليكم أذلين قنطين، فيظل يضحك يعلم أن فرجكم قريب) فقال له أبو رزين العقيلي، يا رسول الله أو يضحك الرب قال: (نعم)، قال: لن نعدم من رب يضحك خيرا، فجعل الأعرابي العقل بصحة فطرته ضحكه دليل على إحسانه وإنعامه فدل على أن هذا الوصف مقرون بالإحسان المحمود وأنه من صفات الكمال، والشخص العبوس الذي لا يضحك قط هو مذموم بذلك وقد قيل في اليوم الشديد العذاب (يوما عبوسا قمطريرا) (الإنسان: 10)، وقد روي أن الملائكة قالت لآدم حياك الله وبياك أي: أضحك والإنسان حيوان ناطق ضاحك، وما تميز به الإنسان عن البهيمة صفة كمال فكما النطق صفة كمال فكذلك الضحك صفة كمال، فمن يتكلم أكمل ممن لا يتكلم، ومن يضحك أكمل ممن لا يضحك، وإذا كان الضحك فينا مستلزما لشيء من النقص، فالله تعالى منزه عن ذلك، وذلك النقص مختص لا عام فليس حقيقة الضحك مطلقا مقرونة بالنقص كما أن ذواتنا وصفاتنا مقرونة بالنقص، ووجودنا مقرون بالنقص، ولا يلزم ألا يكون الرب موجودا وألا يكون له ذات ومن هنا ضلت القرامطة الغلاة أصحاب الأقاليد وأمثاله، فأرادوا أن ينفوا عنه كل ما يعلم بالقلب أو ينطق به اللسان من نفي وإثبات، فقالوا: لا نقول موجود ولا لا موجود، ولا موصوف ولا لا موصوف لما في ذلك على زعمهم من التشبيه وهذا يستلزم أن يكون ممتنعا، وهو مقتض للتشبيه بالممتنع، والتشبيه الممتنع عن الله أن يشارك المخلوقات في شيء من خصائصها أو أن يكون مماثلا لها في شيء من صفاته كالحياة والعلم والقدرة فإنه وإن وصف به فلا تماثل في صفة الخالق صفة المخلوق كالحدث والموت والفناء والإمكان انتهى.
[880]:هو قول محمد ابن إسحاق، وهذا الذي نقلنا عن السدي يوافقه/12.
[881]:في الصحيحين عن أنس في قصة أصحاب بئر معونة نزل فيهم قرآن قرأناه زمانا حتى رفع أن بلغوا عنا قومنا أنا لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا [أخرجه البخاري في (المغازي) (4090، 4091)، وفي غير موضع من صحيحه، وحده دون مسلم] وفيما نقله محمد بن جرير أنه لنسخت، ورفعت وأنزل الله {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله} الآية/12 منه.