إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{فَرِحِينَ بِمَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦ وَيَسۡتَبۡشِرُونَ بِٱلَّذِينَ لَمۡ يَلۡحَقُواْ بِهِم مِّنۡ خَلۡفِهِمۡ أَلَّا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ} (170)

{ فَرِحِينَ بِمَا آتاهم الله مِن فَضْلِهِ } وهو شرفُ الشهادةِ والفوزُ بالحياة الأبديةِ والزلفي من الله عز وجل والتمتُّع بالنعيم المخلِّد عاجلاً . { وَيَسْتَبْشِرُونَ } يُسِرّون بالبشارة { بالذين لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم } أي بإخوانهم الذين لم يُقتلوا بعدُ في سبيل الله فيلحقوا بهم { منْ خَلْفِهِمْ } متعلقٌ بيلحقوا والمعنى أنهم بقُوا بعدهم وهم قد تقدموهم ، أو بمحذوف وقع حالاً من فاعل يلحقوا أي لم يلحقوا بهم حالَ كونِهم متخلِّفين عنهم باقين في الدنيا { أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } بدلٌ من الذين بدلَ اشتمالٍ مبينٍ لكون استبشارِهم بحال إخوانِهم لا بذواتهم . وأن هي المخففةُ من أنّ واسمُها ضميرُ الشأنِ المحذوفِ ، وخبرُها الجملةُ المنفيةُ أي يستبشرون بما تبين لهم من حسن حالِ إخوانِهم الذين تركوهم وهو أنهم عند قتلِهم يفوزون بحياة أبديةٍ لا يكدِّرُها خوفٌ [ ولا ] وقوعُ محذور ولا حزنٌ [ على ] فوات مطلوبٍ ، أو لا خوفٌ عليهم في الدنيا من القتل فإنه عينُ الحياةِ التي يجب أن يُرغَبَ فيها فضلاً عن أن تُخافَ وتحذَر ، أي لا يعتريهم ما يوجب ذلك لا أنه يعتريهم ذلك لكنهم لا يخافون ولا يحزنون ، والمرادُ بيانُ دوامِ انتفاءِ الخوفِ والحزنِ لا بيانُ انتفاءِ دوامِهما كما يوهمه كونُ الخبرِ في الجملة الثانيةِ مضارعاً ، فإن النفيَ وإن دخل على نفس المضارعِ يفيدُ الدوامَ والاستمرارَ بحسب المقام .