قوله : { فَرِحِينَ } فيه خمسة أوجهٍ :
أحدها : أن يكون حالاً من الضمير في " أحياء " .
ثانيها : أن يكون حالاً من الضمير في الظرف .
ثالثها : أن يكون حالاً من الضمير في { يُرْزَقُونَ } .
رابعها : أنه منصوبٌ على المَدْح .
خامسها : أنه صفة ل " أحياء " .
وهذا مختص بقراءة ابن أبي عبلة و " بما " يتعلق ب " فرحين " .
قوله : { مِن فَضْلِهِ } في " من " ثلاثة أوجهٍ :
أحدها : أن معناها السببية ، أي بسببب فضله ، أي : الذي آتاهم الله متسبب عن فضله .
الثاني : أنها لابتداء الغايةِ ، وعلى هذين الوجهين تتعلق ب " آتاهم " .
الثالث : أنها للتبعيض ، أي : بعض فضله ، وعلى هذا فتتعلق بمحذوف ، على أنه حال من الضمير العائدِ على الموصول ولكنه حُذِف ، والتقدير : بما آتاهموه كائناً من فَضْلهِ .
قوله : " ويستبشرون " فيه أربعة أوجهٍ :
أحدها : أن يكون من باب عطفِ الفعلِ على الاسم ؛ لكون الفعل في تأويله ، فيكون عطفاً على " فرحين " كأنه قيل : فرحين ومُسْتَبْشِرِين ، ونظَّروه بقوله تعالى :
{ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ } [ الملك : 19 ] .
الثاني : أنه - أيضاً - يكون من باب عطف الفعل على الاسم ، ولكن لا لأن الاسم في تأويل الفعل ، قال أبو البقاء هو معطوف على " فرحين " لأن اسم الفاعل - هنا - يُشْبه الفعل المضارع يعني أن " فرحين " بمنزلة يفرحون ، وكأنه جعله من باب قوله : { إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُواْ اللَّهَ }
[ الحديد : 18 ] والتقديرُ الأولُ أولى ، لأن الاسم - وهو " فرحين " لا ضرورة بنا إلى أن نجعله في محل فعل مضارع - حتى يتأول الاسم به - والفعل فَرْع عليه ، فينبغي أن يُرَدَّ إليه .
وإنما فعلنا ذلك في الآية ؛ لأن " أل " الموصولة بمعنى : الذي و " الذي " لا يُوصَل إلا بجملة أو شبهها ، وذلك الشبهُ - في الحقيقة - يتأول بجملة .
الثالث : أن يكونَ مُستأنفاً ، والواو للعطف ، عطفت فعلية على اسمية .
الرابع : أن يكون خبراً لمبتدأ محذوفٍ ، أي : وهم يستبشرون ، وحينئذٍ يجوز وجهان :
أحدهما : أن تكون الجملةُ حاليةً من الضمير المستكن في " فرحين " أو من العائد المحذوف من " آتاهم " وإنما احتجنا إلى تقدير مبتدأ عند جعلنا إياها حالاً ؛ لأن المضارعَ المثبت لا يجوز اقترانه بواو الحال لما تقدم مراراً .
الثاني من هذين الوجهين : أن تكون استئنافية ، عطف جملة اسمية على مثلها .
و " استفعل " - هنا - ليست للطلب ، بل تكون بمعنى المجرد ، نحو : استغنى الله - بمعنى : غَنِيَ ، وقد سُمِع بَشِر الرجل - بكسر العين - فيكون استبشر بمعناه ، قاله ابنُ عطية . ويجوز أن يكون مطاوع أبشَرَ ، نحو : أكانَهُ فاستكان ، وأراحه فاستراح ، وأشلاه فاستشلى ، وأحكمَه فاستحكم - وهو كثيرٌ - وجعله أبو حيّان أظهر ؛ من حيث إن المطاوعَة تدل على الاستفعال عن الغيرِ ، فحصلت لهم البُشرى بإبشار الله تعالى ، وهذا لا يلزم إذَا كان بمعنى المجردِ .
قوله : { مِّنْ خَلْفِهِمْ } في هذا الجارّ وجهان :
أحدهما : أنه متعلق ب " لم يلحقوا " على معنى أنهم قد بَقُوا بَعْدَهم ، وهم قد تقدموهم .
الثاني : أن يكون متعلقاً بمحذوفٍ على أنه حال من فاعل " يلحقوا بهم " ، أي : لم يلحقوا بهم حال كونهم متخلِّفين عنهم - أي : في الحياة - .
معنى الكلام : ويستبشرون : ويفرحون بالذين لم يلحقوا بهم ، من إخوانهم الذين تركوهم أحياءً في الدنيا على مناهج الإيمان والجهاد ؛ لِيُعْلِمَهم انهم إذَا استشهدوا لحقوا بهم ، ونالوا من الكرامةِ ما نَالوا هُمْ ؛ فلذلك يستبشرون .
وقال الزّجّاجُ وابن فورك : الإشارة - بالاستبشار للذين لم يلحقوا بهم - إلى جميع المؤمنين - وإن لم يقتلوا - ولكنهم لما عايَنُوا ثوابَ الله وقع اليقينُ بأن دينَ الإسلام هُوَ الحقُّ الذي يُثِيبُ الله عليه ، فهم فرحون لأنفسهم بما آتاهم الله من فضله ، مستبشرون للمؤمنين بأن لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون .
قوله : { أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ } فيه وجهان :
أحدهما : أن " أن " وما في حَيِّزها في محل جَرّ ، بدلاً من " بالذين " بدل اشتمال ، أي : يستبشرون بعد خوفهم وحُزْنهم ، فهو المستبشَر به في الحقيقة ، لأن الذواتَ لا يُسْتَبْشَرُ بها .
الثاني : أنها في محل نَصْبٍ ؛ على أنها مفعول من أجله ، أي : لأنهم لا خوف عليهم .
و " أن " - هذه - هي المخفَّفة ، واسمها ضمير الشأن ، وجملة النفي بعدها في محل الخبر . فإن قيل : الذوات لا يُسْتبشر بها - كما تقدم - فكيف قال : { وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ } ؟ .
فالجوابُ أن ذلك على حَذفِ مُضَافٍ مناسبٍ ، تقديره : ويَسْتبشرون بسلامةِ الذين ، أو لحوقهم بهم في الدرجة .
وقال مكيٌّ - بعد أن حكى أنها بدلُ اشتمالٍ - : ويجوز أن يكون في موضع نَصْب ، على معنى : بأن لا وهذا - هو بعينه - وجه البدل المتقدِّم ، غاية ما في الباب أنه أعاد مع البدل العامل في تقديره اللهُمّ إلا أن يعني أنها - وإن كانت بدلاً من " الذين " - ليست في محل جَرٍّ ، بل في محل نَصْبٍ ، لأنها سقطت منها الباء ؛ فإن الأصل : بأن لا ، وإذا حُذِف منها حرفُ الجرِ كانت في محل نصبٍ - على رأي سيبويه والفرَّاء - وهو بعيدٌ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.