معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{مَآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡقُرۡءَانَ لِتَشۡقَىٰٓ} (2)

وقال الكلبي : لما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي بمكة اجتهد في العبادة حتى كان يراوح بين قدميه في الصلاة لطول قيامه ، وكان يصلي الليل كله ، فأنزل الله هذه الآية وأمره أن يخفف على نفسه فقال :{ ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى } وقيل : لما رأى المشركون اجتهاده في العبادة قالوا : ما أنزل عليك القرآن يا محمد إلا لشقائك ، فنزلت { ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى } أي لتتعنى وتتعب ، وأصل الشقاء في اللغة العناء .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{مَآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡقُرۡءَانَ لِتَشۡقَىٰٓ} (2)

( ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ) . . ما أنزلنا عليك القرآن ليؤدي إلى شقائك به أو بسببه . ما أنزلناه لتشقى بتلاوته والتعبد به حتى يجاوز ذلك طاقتك ، ويشق عليك ؛ فهو ميسر للذكر ، لا تتجاوز تكاليفه طاقة البشر ، ولا يكلفك إلا ما في وسعك ، ولا يفرض عليك إلا مافي طوقك والتعبد به في حدود الطاقة نعمة لا شقوة ، وفرصة للاتصال بالملأ الأعلى ، واستمداد القوة والطمأنينة ، والشعور بالرضى والأنس والوصول . .

وما أنزلناه عليك لتشقى مع الناس حين لا يؤمنون به . فلست مكلفا أن تحملهم على الإيمان حملا ؛ ولا أن تذهب نفسك عليهم حسرات

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{مَآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡقُرۡءَانَ لِتَشۡقَىٰٓ} (2)

فتأويل الكلام إذن : يا رجل ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ، ما أنزلناه عليك فنكلفك ما لا طاقة لك به من العمل . وذُكر أنه قيل له ذلك بسبب ما كان يلقى من النّصَب والعناء والسهر في قيام الليل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد " ما أنْزَلْنا عَلَيْكَ القُرآنَ لِتَشْقَى " قال : هي مثل قوله : " فاقْرَءُوا ما تَيَسّرَ مِنْهُ " فكانوا يعلقون الحبال في صدورهم في الصلاة .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد " ما أنْزَلْنا عَلَيْكَ القُرآنَ لِتَشْقَى " قال : في الصلاة كقوله : " فاقْرَءُوا ما تَيَسّرَ مِنْهُ " فكانوا يعلقون الحبال بصدورهم في الصلاة .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة " ما أنْزَلْنا عَلَيْكَ القُرآنَ لِتَشْقَى " لا والله ما جعله الله شقيا ، ولكن جعله رحمة ونورا ، ودليلاً إلى الجنة .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{مَآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡقُرۡءَانَ لِتَشۡقَىٰٓ} (2)

{ ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى } خبر { طه } إن جعلته مبتدأ على أنه مؤول بالسورة ، أو { القرآن } والقرآن فيه واقع موقع العائد وجوابه إن جعلته مقسما به ومنادى له إن جعلته نداء ، واستئناف إن كانت جملة فعلية أو اسمية بإضمار مبتدأ ، أو طائفة من الحروف محكية والمعنى ما أنزلنا عليك القرآن لتتعب بفرط تأسفك على كفر قريش إذ ما عليك إلا أن تبلغ أو بكثرة الرياضة وكثرة التهجد والقيام على ساق . والشقاء شائع بمعنى التعب ومنه أشقى من رائض المهر ، وسيد القوم أشقاهم . ولعله عدل إليه للإشعار بأنه أنزل عليه ليسعد وقيل رد وتكذيب للكفرة ، فإنهم لما رأوا كثرة عبادته قالوا إنك لتشقى بترك ديننا وإن القرآن أنزل عليك لتشقى به .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{مَآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡقُرۡءَانَ لِتَشۡقَىٰٓ} (2)

وقوله { لتشقى } قالت فرقة : معناه لتبلغ عن نفسك في العبادة والقيام في الصلاة ، وقالت فرقة : إنما سبب الآية أن قريشا لما نظرت إلى عيش رسول صلى الله عليه وسلم وشظفه وكثرة عبادته قالت : إن محمداً مع ربه في شقاء فنزلت الآية رادة عليهم ، أي إن الله لم ينزل القرآن ليجعل محمداً شقياً بل ليجعله أسعد بني آدم بالنعيم المقيم في أعلى المراتب ، فالشقاء الذي رأيتم هو نعيم النفس ولا شقاء مع ذلك ع : فهذا التأويل أعم من الأول في لفظة الشقاء .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{مَآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡقُرۡءَانَ لِتَشۡقَىٰٓ} (2)

افتتحت السورة بملاطفة النبي صلى الله عليه وسلم بأنّ الله لم يرد من إرساله وإنزال القرآن عليه أن يشقى بذلك ، أي تصيبه المشقّة ويشده التعب ، ولكن أراد أن يذكر بالقرآن من يخاف وعيده . وفي هذا تنويه أيضاً بشأن المؤمنين الذين آمنوا بأنهم كانوا من أهل الخشية ولولا ذلك لما ادّكروا بالقرآن .

وفي هذه الفاتحة تمهيدٌ لما يرد من أمر الرسول عليه الصلاة والسلام بالاضطلاع بأمر التبليغ ، وبكونه من أولي العزم مثل موسى عليه السلام وأن لا يكون مفرطاً في العزم كما كان آدم عليه السلام قبل نزوله إلى الأرض . وأدمج في ذلك التنويه بالقرآن لأن في ضمن ذلك تنويهاً بمن أنزل عليه وجاء به .

والشقاء : فرط التعب بعمل أو غمّ في النفس ، قال النابغة :

إلاّ مقالةَ أقوام شَقِيت بهم *** كانت مقالتهم قَرعا على كبدي

وهمزة الشقاء مُنقلبة عن الواو . يقال : شَقاء وشَقاوة بفتح الشين وشِقوة بكسرها .

ووقوع فعل { أنْزَلْنَا } في سياق النفي يقتضي عموم مدلوله ، لأنّ الفعل في سياق النفي بمنزلة النكرة في سياقه ، وعموم الفعل يستلزم عموم متعلقاته من مفعول ومجرور . فيعمّ نفي جميع كلّ إنزال للقرآن فيه شقاء له ، ونفي كل شقاء يتعلق بذلك الإنزال ، أي جميع أنواع الشّقاء فلا يكون إنزال القرآن سبباً في شيء من الشقاء للرسول صلى الله عليه وسلم .

وأول ما يراد منه هنا أسف النبي صلى الله عليه وسلم من إعراض قومه عن الإيمان بالقرآن . قال تعالى : { فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفاً } [ الكهف : 6 ] .

ويجوز أن يكون المراد : ما أرسلناك لتخِيب بل لنؤيدك وتكون لك العاقبة .