قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا } . قال عطاء وعكرمة : نزلت في العباس بن عبد المطلب وعثمان بن عفان رضي الله عنهما ، وكانا قد أسلفا في التمر فلما حضر الجذاذ قال لهما صاحب التمر : إن أنتما أخذتما حقكما لا يبقى لي ما يكفي عيالي ، فهل لكما أن تأخذا النصف وتؤخرا النصف وأضعف لكما ؟ ففعلا ، فلما حل الأجل طلبا الزيادة ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهاهما فأنزل الله تعالى هذه الآية فسمعا وأطاعا وأخذا رؤوس أموالهما .
وقال السدي : نزلت في العباس وخالد بن الوليد ، وكانا شريكين في الجاهلية يسلفان في الربا إلى بني عمرو بن عمير ، ناس من ثقيف ، فجاء الإسلام ولهما أموال عظيمة في الربا فأنزل الله تعالى هذه الآية ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع في خطبته يوم عرفة " ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع ، ودماء الجاهلية موضوعة ، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث ، كان مسترضعاً في بني سعد فقتلته هذيل ، وربا الجاهلية موضوعة كلها ، وأول ربا أضع ربا العباس بن عبد المطلب فإنها موضوعة كلها " .
وقال مقاتل : نزلت في أربعة إخوة من ثقيف ، مسعود وعبد ياليل ، وحبيب وربيعة وهم بنو عمرو بن عمير بن عوف الثقفي ، كانوا يداينون بني المغيرة بن عبد الله بن عمير بن مخزوم ، وكانوا يرابون ، فلما ظهر النبي صلى الله عليه وسلم على الطائف أسلم هؤلاء الإخوة ، فطلبوا رباهم من بني المغيرة ، فقال بنو المغيرة : والله ما نعطي الربا في الإسلام وقد وضعه الله تعالى عن المؤمنين ، فاختصموا إلى عتاب بن أسيد ، وكان عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم على مكة ، فكتب عتاب بن أسيد إلى النبي صلى الله عليه وسلم بقصة الفريقين وكان ذلك مالا عظيماً ، فأنزل الله تعالى :
قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين } .
وفي ظل هذا الرخاء الآمن الذي يعد الله به الجماعة المسلمة ، التي تنبذ الربا من حياتها ، فتنبذ الكفر والإثم ، وتقيم هذه الحياة على الإيمان والعمل الصالح والعبادة والزكاة . . في ظل هذا الرخاء الأمن يهتف بالذين آمنوا الهتاف الأخير ليحولوا حياتهم عن النظام الربوي الدنس المقيت ؛ وإلا فهي الحرب المعلنة من الله ورسوله ، بلا هوادة ولا إمهال ولا تأخير :
( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ، وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين . فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله . وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون )
إن النص يعلق إيمان الذين آمنوا على ترك ما بقي من الربا . فهم ليسوا بمؤمنين إلا أن يتقوا الله ويذروا ما بقي من الربا . ليسوا بمؤمنين ولو اعلنوا أنهم مؤمنون . فإنه لا إيمان بغير طاعة وانقياد واتباع لما أمر الله به . والنص القرآني لا يدعهم في شبهة من الأمر . ولا يدع إنسانا يتستر وراء كلمة الإيمان ، بينما هو لا يطيع ولا يرتضي ما شرع الله ، ولا ينفذه في حياته ، ولا يحكمه في معاملاته . فالذين يفرقون في الدين بين الاعتقاد والمعاملات ليسوا بمؤمنين . مهما ادعوا الإيمان وأعلنوا بلسانهم أو حتى بشعائر العبادة الأخرى أنهم مؤمنون !
( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا . . إن كنتم مؤمنين ) . .
لقد ترك لهم ما سلف من الربا - لم يقرر استرداده منهم ، ولا مصادرة أموالهم كلها أو جزء منها بسبب أن الربا كان داخلا فيها . . إذ لا تحريم بغير نص . . ولا حكم بغير تشريع . . والتشريع ينفذ وينشىء آثاره بعد صدوره . . فأما الذي سلف فأمره إلى الله لا إلى أحكام القانون . وبذلك تجنب الإسلام أحداث هزة اقتصادية واجتماعية ضخمة لو جعل لتشريعه أثرا رجعيا . وهو المبدأ الذي أخذ به التشريع الحديث حديثا ! ذلك أن التشريع الإسلامي موضوع ليواجه حياة البشر الواقعية ، ويسيرها ، ويطهرها ، ويطلقها تنمو وترتفع معا . . وفي الوقت ذاته علق اعتبارهم مؤمنين على قبولهم لهذا التشريع وإنفاذه في حياتهم منذ نزوله وعلمهم به . واستجاش في قلوبهم - مع هذا - شعور التقوى لله . وهو الشعور الذي ينوط به الإسلام تنفيذ شرائعه ، ويجعله الضمان الكامن في ذات الأنفس ، فوق الضمانات المكفولة بالتشريع ذاته . فيكون له من ضمانات التنفيذ ما ليس للشرائع الوضعية التي لا تستند إلا للرقابة الخارجية ! وما أيسر الاحتيال على الرقابة الخارجية ، حين لا يقوم من الضمير حارس له من تقوى الله سلطان .
{ يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اتّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرّبَا إِن كُنْتُمْ مّؤْمِنِينَ }
يعني جل ثناؤه بذلك : يا أيها الذين آمنوا صدّقوا بالله وبرسوله ، اتقوا الله ، يقول : خافوا الله على أنفسكم فاتقوه بطاعته فيما أمركم به ، والانتهاء عما نهاكم عنه ، وذروا ، يعني ودعوا ما بقي من الربا ، يقول : اتركوا طلب ما بقي لكم من فضل على رءوس أموالكم التي كانت لكم قبل أن تربوا عليها إن كنتم مؤمنين ، يقول : إن كنتم محققين إيمانكم قولاً ، وتصديقكم بألسنتكم بأفعالكم . وذكر أن هذه الآية نزلت في قوم أسلموا ، ولهم على قوم أموال من ربا كانوا أربوه عليهم ، فكانوا قد قبضوا بعضه منهم ، وبقي بعض ، فعفا الله جل ثناؤه لهم عما كانوا قد قبضوه قبل نزول هذه الآية ، وحرّم عليهم اقتضاء ما بقي منه .
حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : { يا أيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرّبا } إلى : { وَلا تُظْلَمُونَ } قال : نزلت هذه الآية في العباس بن عبد المطلب ورجل من بني المغيرة كانا شريكين في الجاهلية ، سلفا في الربا إلى أناس من ثقيف من بني عمرو ، وهم بنو عمرو بن عمير ، فجاء الإسلام ولهما أموال عظيمة في الربا ، فأنزل الله { ذَرُوا ما بَقِيَ } من فضل كان في الجاهلية { مِنَ الرّبا } .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج قوله : { يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرّبا إِنْ كُنْتُمْ مُوءْمِنِينَ } قال : كانت ثقيف قد صالحت النبيّ صلى الله عليه وسلم على أن ما لهم من ربا على الناس ، وماكان للناس عليهم من ربا فهو موضوع . فلما كان الفتح ، استعمل عتاب بن أسيد على مكة ، وكانت بنو عمرو بن عمير بن عوف يأخذون الربا من بني المغيرة وكانت بنو المغيرة يربون لهم في الجاهلية ، فجاء الإسلام ولهم عليهم مال كثير . فأتاهم بنو عمرو يطلبون رباهم ، فأبى بنو المغيرة أن يعطوهم في الإسلام ، ورفعوا ذلك إلى عتاب بن أسيد ، فكتب عتاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزلت : { يا أيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرّبا إِنْ كُنْتُمْ مُوءْمِنِينَ فانْ لَمْ تَفْعَلُوا فأَذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ } إلى : { وَلا تُظْلِمُونَ } ، فكتب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عتاب وقال : «إِنْ رَضُوا وَإِلاّ فَآذِنْهُمْ بِحَرْبٍ » . قال ابن جريج ، عن عكرمة قوله : { اتّقُوا اللّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرّبا } . قال : كانوا يأخذون الربا على بني المغيرة يزعمون أنهم مسعود وعبد ياليل وحبيب وربيعة بنو عمرو بن عمير ، فهم الذين كان لهم الربا على بني المغيرة ، فأسلم عبد ياليل وحبيب وربيعة وهلال ومسعود .
حدثني يحيى بن أبي طالب ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا جويبر ، عن الضحاك في قوله : { اتّقُوا اللّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤمِنِينَ } قال : كان ربا يتبايعون به في الجاهلية ، فلما أسلموا أمروا أن يأخذوا رءوس أموالهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.