الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ ٱلرِّبَوٰٓاْ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (278)

قال عطاء وعكرمة : نزلت هذه الآية في العبّاس بن عبد المطلب وعثمان بن عفّان وكانا قد أسلفا في التمر ، فلما حضر الجداد قال لهما صاحب التمر : لا يبقى ما يكفي عيالي إن أنتما أخذتما حقّكما كلّه فهذا لكما أن تأخذا النصف وتؤخّرا النصف وأضعف لكما فقبلا ، فلمّا جاء الرجل طلبا الزيادة ، فبلغ ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهاهما وأنزل الله هذه الآية فسمعا وأطاعا وأخذا رؤوس أموالهما .

وقال السدي : نزلت في العبّاس عبد المطلب وخالد بن الوليد وكانا شريكان في الجاهليّة يسلّفان في الربا إلى بني عمرو بن عمير ناس من ثقيف ولهما أموال عظيمة في الربا ، فأنزل الله تعالى هذه الآية فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : " وإنّ كلّ ربا من ربا الجاهليّة موضوع وأوّل الربا أضعه ربا العبّاس بن عبد المطلب ، وكلّ دم من دم الجاهليّة موضوع وأوّل دم أضعه دم ربيعة بن الحرث ابن عبد المطلب كان مُرضعاً في بني ليث قتله هذيل " .

وقال مقاتلان : أنزلت في أربعة أخوة : من ثقيف مسعود وعبد ياليل وحبيب وربيعة ، وهم بنو عمرو بن عمير بن عوف الثقفي وكانوا يداينون المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم وكانوا يربون ، فلما ظهر النبيّ صلى الله عليه وسلم على الطائف وصالح ثقيفاً أسلم هولاء الأربعة الأخوة وطلبوا رباهم من بني المغيرة ، فقالت بنو المغيرة : والله ما نعطي الربا في الإسلام وقد وضعه الله ورسوله عن المؤمنين ، فما يجعلنا أشقى الناس بهذا ، فاختصموا إلى عتّاب بن أسيد بن أبي العيص بن أميّة . وكان عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم على مكّة وقال : " أبعثك على أهل الله " فكتب عتّاب إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم بقصّة الفريقين وكان ذلك مالاً عظيماً

فأنزل الله تعالى : { يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا } وذر لفظ تهديد ، وقرأ الحسن مابقى بالألف وهي لغة طي ، ويقول للحجارية : جاراة ، وللناصية : ناصاة .

قال الشاعر منهم :

لعمرك ما أخشى التصعلك ما بقا *** على الأرض قيسي يسوق الأباعرا

{ إِن كُنْتُمْ } إذا كنتم { مُّؤْمِنِينَ } كقوله : { وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ } [ آل عمران : 139 ] .