الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ ٱلرِّبَوٰٓاْ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (278)

وقوله تعالى : { يا أيها الذين ءَامَنُواْ اتقوا الله وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الربا . . . } [ البقرة :278 ] .

سبَبُ هذه الآيةِ أنه لما افتتح النبيُّ صلى الله عليه وسلم مكَّة ، قال في خُطْبَتِهِ اليَوْمَ الثانِيَ من الفَتْح : ( ألا كُلُّ رِباً فِي الجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ ، وَأَوَّلُ رِباً أَضَعُهُ رِبَا العَبَّاسِ ) فبدأ صلى الله عليه وسلم بعَمِّه ، وأخَصِّ الناسِ به ، وهذه من سنن العَدْلِ للإِمام أنْ يفيض العَدْل على نَفْسه وخاصَّته ، فيستفيض في النَّاس ، ثم رجع رسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم إِلى المدينةِ ، واستعمل على مكَّة عَتَّابَ بْنَ أَسِيدٍ ، فلمَّا استنزل صلى الله عليه وسلم أهْلَ الطائِفِ بَعْد ذلك إِلى الإِسْلامِ ، اشترطوا شُرُوطاً ، وكان في شروطهم : أنَّ كُلَّ رباً لهم على النَّاسِ ، فإِنهم يأخذونه ، وكُلُّ رباً علَيْهم ، فهو موضُوعٌ ، فيروى أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، قَرَّر لهم هذه ، ثم ردَّها اللَّه بهذه الآية ، كما ردَّ صُلْحَه لكُفَّار قُرَيْش في ردِّ النِّسَاءِ إِليهم عامَ الحُدَيْبِية ، وذكَرَ النَّقَّاش روايةً ، " أنَّ رسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ أَنْ يُكْتَبَ فِي أَسْفَلِ الكِتَابِ لِثَقِيفٍ : «لَكُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ ، وَعَلَيْكُمْ مَا عَلَيهِمْ » " ، فلما جاءَتْ آجال رِبَاهُمْ ، بعثوا إِلى مكَّة لِلاقتضاءِ ، وكانَتْ على بني المُغِيرَةِ للمَخْزُومِيِّينَ ، فقال بنو المُغِيرَةِ : لا نُعْطِي شَيئاً ، فإِن الربَا قد وُضِعَ ، ورفعوا أمرهم إِلى عَتَّابِ بْنِ أَسِيدٍ بمكَّة ، فَكَتَب به إلى رسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فَنَزَلَتِ الآية ، وكتَبَ بها رسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى عتَّابٍ ، فعلمتْ بها ثقيفٌ ، فكَفَّت ، هذا سببُ الآية على اختصارٍ ممَّا روى ابْنُ إِسحاق ، وابْنُ جُرَيْجٍ ، والسُّدِّيُّ وغيرهم .

فمعنى الآية : اجعلوا بينكم وبيْنَ عذابِ اللَّهِ وقايةً ، بترككمْ ما بَقِيَ لكُمْ من رباً ، وصَفْحِكُمْ عنه .