ثم إنه تعالى لما بيَّن أن من انتهى عن الربا فله ما سلف كان يجوز أن يظن أنه لا فرق بين المقبوض منه وبين الباقي في ذمة القوم فقال { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا } فبين أنه يحرم أخذ ما بقي من الربا في ذمتهم . فإن قيل : كيف قال { يا أيها الذين آمنوا } ثم قال في آخره { إن كنتم مؤمنين } ؟ فالجواب أن هذا كما يقال : إن كنت أخي فأكرمني . معناه أن من كان أخاً أكرم أخاه . ومعناه إذ كنتم مؤمنين أو إن كنتم تريدون استدامة الحكم لكم بالإيمان ، أو يا أيها الذين آمنوا بلسانكم ذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين بقلوبكم .
قال القاضي : وفيه دلالة على أن الإيمان لا يتكامل إذا أصر الإنسان على كبيرة ، وإنما يصير مؤمناً بالإطلاق متى تجنب كل الكبائر . وأجيب بأن المراد إن كنتم عاملين بمقتضى الإيمان . وهذا بناء على أن العمل الصالح غير داخل في مسمى الإيمان ، وإنما شدد الله في ذلك لأن المنتظر لحلول الأجل إذا حضر الوقت وطن نفسه على أن تلك الزيادة قد حصلت له ففطامه عنها يكون شديداً عليه فقال { اتقوا الله } واتقاؤه إنما يكون باتقاء ما نهى عنه . وهذه الآية أصل كبير في أحكام الكفار . إذا أسلموا ، فإن ما مضى في الكفر يبقى ولا ينقض ولا يفسخ ، وما لم يوجد منه في حال الكفر فحكمه محمول على الإسلام ، فإذا تناكحوا على ما يجوز عندهم ولا يجوز في الإسلام فهو عفو لا يتعقب وإن كان النكاح وقع على مهر حرام فقبضته المرأة فقد مضى ، وإن كانت لم تقبضه فلها مهر مثلها دون ما سمى وهذا مذهب الشافعي . وأما سبب نزول الآية فعن ابن عباس : بلغنا - والله أعلم - أنها نزلت في بني عمرو بن عمير من ثقيف وفي بني المغيرة بني مخزوم . كانت بنو المغيرة يربون لثقيف ، فلما أظهر الله ورسوله على مكة وضع يومئذ الربا كله فأتى بنو عمرو بن عمير وبنو المغيرة إلى عتاب بن أسيد وهو على مكة فقال بنو المغيرة : ما جعلنا أشقى الناس بالربا أوضع عن الناس غيرنا . فقال بنو عمر : وصولحنا على أن لنا ربنا ، فكتب عتاب في ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية والتي بعدها { فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله } فعرف بنو عمرو أن لا يدان لهم بحرب من الله ورسوله . وقال عطاء وعكرمة : نزلت في العباس بن عبد المطلب وعثمان بن عفان وكانا قد أسلفا في التمر ، فلما حضر الجداد قال لهما صاحب التمر : لا يبقى لي ما يكفي عيالي إن أنتما أخذتما حقكما كله . فهل لكما أن تأخذا النصف وتؤخرا النصف وأضعف لكما ؟ ففعلا . فلما جاء الأجل طلبا الزيادة فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهاهما ونزلت الآية فسمعا وأطاعا وأخذ رؤوس أموالهما . وقال السدي : " نزلت في العباس وخالد بن الوليد وكانا شريكين في الجاهلية يسلفان في الربا ، فجاء الإسلام ولهما أموال عظيمة في الربا ، فأنزل الله تعالى هذه الآية فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ألا إن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضعه ربا العباس بن عبد المطلب " .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.