ابتدىء بذكر ثمود لأن العذاب الذي أصابهم من قبيل القرع إذ أصابتهم الصواعق المسماة في بعض الآيات بالصيحة . والطاغية : الصاعقة في قول ابن عباس وقتادة : نَزلت عليهم صاعقة أو صواعق فأهلكتهم ، لأن منازل ثمود كانت في طريق أهل مكة إلى الشام في رحلتهم فهم يرونها ، قال تعالى : { فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا } [ النمل : 52 ] ، ولأن الكلام على مهلك عاد أنسب فأخر لذلك أيضاً .
وإنما سميت الصاعقةُ أو الصيحة { بالطاغية } لأنها كانت متجاوزة الحال المتعارف في الشدة فشبه فعلها بفعل الطاغي المتجاوز الحد في العدوان والبطش .
والباء في قول { بالطاغية } للاستعانة .
و { ثمود } : أمة من العرب البائدة العاربة ، وهم أنساب عاد . وثَمود : اسم جد تلك الأمة ولكن غلب على الأمة فلذلك منع من الصرف للعلمية والتأنيث باعتبار الأمة أو القبيلة .
وتقدم ذكر ثمود عند قوله تعالى : { وإلى ثمود أخاهم صالحاً } في سورة الأعراف ( 73 ) .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
ثم أخبر الله تعالى عن عاد وثمود، فقال: {فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية} يقول: عذبوا بطغيانهم، والطغيان حملهم على تكذيب صالح النبي صلى الله عليه وسلم...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
"فأمّا ثَمُودُ" قوم صالح، فأهلكهم الله بالطاغية. واختلف في معنى الطاغية التي أهلك الله بها ثمود أهل التأويل؛
فقال بعضهم: هي طغيانهم وكفرهم بالله...
وقال آخرون: بل معنى ذلك: فأهلكوا بالصيحة التي قد جاوزت مقادير الصياح وطغت عليها...
وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: معنى ذلك: فأُهلكوا بالصيحة الطاغية. وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب، لأن الله إنما أخبر عن ثمود بالمعنى الذي أهلكها به، كما أخبر عن عاد بالذي أهلكها به، فقال:"وأمّا عادٌ فأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ" ولو كان الخبر عن ثمود بالسبب الذي أهلكها من أجله، كان الخبر أيضا عن عاد كذلك، إذ كان ذلك في سياق واحد، وفي إتباعه ذلك بخبره عن عاد بأن هلاكها كان بالريح الدليل الواضح على أن إخباره عن ثمود إنما هو ما بينت...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
ثم بين ما نزل بعاد وثمود بالتكذيب بالقارعة، وهو قوله {فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية} [{وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية}] فالطاغية والعاتية والرابية [الآية: 10] يمكن أن تجعل هذا كله صفة للعذاب الذي نزل بهم. وجائز أن يكون صفة للأحوال التي سبقت منهم، وكانوا عليها.
فإن كان هذا صفة العذاب، فالطغيان عبارة عن الشدة، والطاغي، هو العاتي الشديد، لا يراقب، ولا يتقي، فوصف العذاب الذي أرسله عليهم أنه لم يبق منهم أحدا، بل استأصلهم، وأهلكهم بجملتهم.
وقيل: ذلك العذاب، هو {الصاعقة} وقيل: {الصيحة} وسمي طاغية، ولم يقل: طاغ لهذا.
وقيل: اشتق هذا الاسم للعذاب من أفعال من عذب به، ليس أنه طاغية، لكن أخذ اسمه من فعل القوم كقوله تعالى: {وجزاء سيئة سيئة مثلها} [الشورى: 40] وقوله تعالى: {فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} [البقرة: 194] وإنما ذكر كله جزاء سيئاتهم.
ففيه تخويف لأهل مكة أنه سيهلكهم إن لم يهتدوا عن التكذيب كما أهلك أولئك.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما جمعهم في التكذيب، فصلهم في التعذيب لأجل ذلك التكذيب فقال: {فأما ثمود} وهم قوم صالح عليه السلام. ولما كان الهائل لهم لتقيدهم بالمحسوسات إنما هو العذاب، لا كونه من معين، بنى للمجهول قوله: {فأهلكوا} أي بأيسر أمر من أوامرنا {بالطاغية} أي الصيحة التي جاوزت الحد في الشدة فرجفت منها الأرض والقلوب...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وكان أخذهم بالصيحة كما سماها في غير موضع. أما هنا فهو يذكر وصف الصيحة دون لفظها.. (بالطاغية).. لأن هذا الوصف يفيض بالهول المناسب لجو السورة. ولأن إيقاع اللفظ يتفق مع إيقاع الفاصلة في هذا المقطع منها. ويكتفي بهذه الآية الواحدة تطوي ثمود طيا، وتغمرهم غمرا، وتعصف بهم عصفا، وتطغى عليهم فلا تبقي لهم ظلا!
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
ابتدئ بذكر ثمود لأن العذاب الذي أصابهم من قبيل القرع، إذ أصابتهم الصواعق المسماة في بعض الآيات بالصيحة. والطاغية: الصاعقة في قول ابن عباس وقتادة: نَزلت عليهم صاعقة أو صواعق فأهلكتهم، لأن منازل ثمود كانت في طريق أهل مكة إلى الشام في رحلتهم فهم يرونها، قال تعالى: {فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا} [النمل: 52]، ولأن الكلام على مهلك عاد أنسب فأخر لذلك أيضاً.
وإنما سميت الصاعقةُ أو الصيحة {بالطاغية} لأنها كانت متجاوزة الحال المتعارف في الشدة فشبه فعلها بفعل الطاغي المتجاوز الحد في العدوان والبطش.
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.