معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَعۡلَمُ مَا يَلِجُ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا يَخۡرُجُ مِنۡهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا يَعۡرُجُ فِيهَاۚ وَهُوَ ٱلرَّحِيمُ ٱلۡغَفُورُ} (2)

قوله تعالى : { يعلم ما يلج في الأرض } أي : يدخل فيها من الماء والأموات ، { وما يخرج منها } من النبات والأموات إذا حشروا ، { وما ينزل من السماء } من الأمطار ، { وما يعرج } يصعد ، { فيها } من الملائكة وأعمال العباد . { وهو الرحيم الغفور* }

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَعۡلَمُ مَا يَلِجُ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا يَخۡرُجُ مِنۡهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا يَعۡرُجُ فِيهَاۚ وَهُوَ ٱلرَّحِيمُ ٱلۡغَفُورُ} (2)

{ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ } أي : من مطر ، وبذر ، وحيوان { وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا } من أنواع النباتات ، وأصناف الحيوانات { وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ } من الأملاك والأرزاق والأقدار { وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا } من الملائكة والأرواح وغير ذلك .

ولما ذكر مخلوقاته وحكمته فيها ، وعلمه بأحوالها ، ذكر مغفرته ورحمته لها ، فقال : { وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ } أي : الذي الرحمة والمغفرة وصفه ، ولم تزل آثارهما تنزل على عباده كل وقت بحسب ما قاموا به من مقتضياتهما .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يَعۡلَمُ مَا يَلِجُ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا يَخۡرُجُ مِنۡهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا يَعۡرُجُ فِيهَاۚ وَهُوَ ٱلرَّحِيمُ ٱلۡغَفُورُ} (2)

بيان لجملة { وهو الحكيم الخبير } [ سبأ : 1 ] لأن العلم بما ذكر هنا هو العلم بذواتها وخصائصها وأسبابها وعللها وذلك عين الحكمة والخبرة ، فإن العلم يقتضي العمل ، وإتقانُ العمل بالعلم .

وخص بالذكر في متعلِّق العلم ما يلج وما يخرج من الأرض دون ما يَدِبّ على سطحها ، وما ينزل وما يعرج إلى السماء دون ما يجول في أرجائها لأن ما ذكر لا يخلو عن أن يكون دَابًّا وجائلاً فيهما ، والذي يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها يعلم ما يدبّ عليها وما يزحف فوقها ، والذي يعلم ما ينزل من السماء وما يعرج يعلم ما في الأجواء والفضاء من الكائنات المرئية وغيرها ويعلم سير الكواكب ونظامها .

والولوج : الدخول والسلوكُ مثل ولُوج ماء المطر في أعماق الأرض وولوج الزريعة . والذي يخرج من الأرض ، النبات والمعادن والدواب المستكنة في بيوتها ومغاراتها ، وشمل ذلك من يُقبرون في الأرض وأحوالهم . والذي ينزل من السماء : المطر والثلج والرياح ، والذي يعرج فيها ما يتصاعد في طبقات الجو من الرطوبات البحرية ومن العواصف الترابية ، ومن العناصر التي تتبخر في الطبقات الجوية فوق الأرض ، وما يسبح في الفضاء وما يطير في الهواء ، وعروجُ الأرواح عند مفارقة الأجساد قال تعالى : { تعرج الملائكة والروح إليه } [ المعارج : 4 ] .

واعلم أن كلمتي { يلج } و { يخرج } أوضح ما يُعَبَّر به عن أحوال جميع الموجودات الأرضية بالنسبة إلى اتصالها بالأرض ، وأن كلمتي { ينزل } و { يعرج } أوضح ما يعبَّر به عن أحوال الموجودات السماوية بالنسبة إلى اتصالها بالسماء ، من كلمات اللغة التي تدل على المعاني الموضوعة للدلالة عليها دلالةً مطابقية على الحقيقة دون المجاز ودون الكناية ، ولذلك لم يعطف السماء على الأرض في الآية فلم يقل : يعلم ما يلج في الأرض والسماء ، وما يخرج منهما ، ولم يُكتَفَ بإحدى الجملتين عن الأخرى . وقد لاح لي أن هذه الآية ينبغي أن تجعل من الإِنشاء مثل ما اصطلح على تسميته بصراحة اللفظ . ولذلك ألحقتها بكتابي « أصول الإنشاء والخطابة » بعد تفرق نسخه بالطبع ، وسيأتي نظير هذه في أول سورة الحديد .

ولما كان من جملة أحوال ما في الأرض أعمال الناس وأحوالهم من عقائد وسير ، ومما يعرج في السماء العمل الصالح والكَلم الطيّب أتبع ذلك بقوله : { وهو الرحيم الغفور } أي الواسع الرحمة والواسع المغفرة . وهذا إجمال قصد منه حث الناس على طلب أسباب الرحمة والمغفرة المرغوب فيهما ، فإن من رغب في تحصيل شيء بحث عن وسائل تحصيله وسعى إليها . وفيه تعريض بالمشركين أن يتوبوا عن الشرك فيغفر لهم ما قدموه .