السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{يَعۡلَمُ مَا يَلِجُ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا يَخۡرُجُ مِنۡهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا يَعۡرُجُ فِيهَاۚ وَهُوَ ٱلرَّحِيمُ ٱلۡغَفُورُ} (2)

ثم بين كمال خبره بقوله تعالى : { يعلم ما يلج } أي : يدخل { في الأرض } أي : هذا الجنس من المياه والأموال والأموات وغيرها { وما يخرج منها } من المياه والمعادن والنبات وغيرها { وما ينزل من السماء } أي : من هذا الجنس من قرآن وملائكة وماء وحرارة وبرودة وغير ذلك { وما يعرج فيها } من الكلام الطيب قال تعالى : { إليه يصعد الكلم الطيب } ( فاطر : 10 ) والملائكة والأعمال الصالحة قال تعالى { والعمل الصالح يرفعه } ( فاطر : 10 ) .

تنبيه : قدم ما يلج في الأرض على ما ينزل من السماء لأن الحبة تبذر أولاً ثم تسقى ثانياً وقال تعالى { ما يعرج فيها } ولم يقل ما يعرج إليها إشارة إلى قبول الأعمال الصالحة لأن كلمة إلى للغاية فلو قال وما يعرج إليها لفهم الوقوف عند السماوات فقال { وما يعرج فيها } ليفهم نفوذه فيها وصعوده وتمكنه فيها ، ولهذا قال في الكلم الطيب { إليه يصعد الكلم الطيب } لأن الله تعالى هو المنتهى ولا مرتبة فوق الوصول إليه { وهو } أي : والحال أنه وحده مع كثرة نعمه المقيمة للأبدان { الرحيم } أي : المنعم بإنزال الكتب وإرسال الرسل لإقامة الأديان وغير ذلك { الغفور } أي : المحاء للذنوب للمفرطين في شكر نعمته مع كثرتها أو في الآخرة مع ما له من سوابق هذه النعم الفائقة للحصر .

تنبيه : قدم تعالى صفة الرحمة على صفة الغفور ليعلم أن رحمته سبقت غضبه .