معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{أَلَمۡ يَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ يَقۡبَلُ ٱلتَّوۡبَةَ عَنۡ عِبَادِهِۦ وَيَأۡخُذُ ٱلصَّدَقَٰتِ وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ} (104)

قوله تعالى : { وأن الله هو التواب الرحيم } . أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ، ثنا أبو العباس محمد ابن يعقوب الأصم ، أنبأنا الربيع بن سليمان ، أنبأنا الشافعي ، أنبأنا سفيان بن عيينة ، عن ابن عجلان ، عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه . قال : سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول : " والذي نفسي بيده ما من عبد يتصدق بصدقة من كسب طيب ، ولا يقبل الله إلا طيبا ولا يصعد إلى السماء إلا طيب إلا كأنما يضعها في يد الرحمن عز وجل فيربيها له كما يربي أحدكم فلوه ، حتى أن اللقمة لتأتي يوم القيامة وإنها لمثل الجبل العظيم ، ثم قرأ : { أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَلَمۡ يَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ يَقۡبَلُ ٱلتَّوۡبَةَ عَنۡ عِبَادِهِۦ وَيَأۡخُذُ ٱلصَّدَقَٰتِ وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ} (104)

{ 104 ْ } { أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ْ }

أي : أما علموا سعة رحمة اللّه وعموم كرمه وأنه { يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ } التائبين من أي ذنب كان ، بل يفرح تعالى بتوبة عبده ، إذا تاب أعظم فرح يقدر .

{ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ } منهم أي : يقبلها ، ويأخذها بيمينه ، فيربيها لأحدهم كما يربي الرجل فلوه ، حتى تكون التمرة الواحدة كالجبل العظيم ، فكيف بما هو أكبر وأكثر من ذلك .

{ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ } أي : كثير التوبة على التائبين ، فمن تاب إليه تاب عليه ، ولو تكررت منه [ المعصية ] {[384]} مرارا . ولا يمل اللّه من التوبة على عباده ، حتى يملوا هم ، ويأبوا إلا النفار والشرود عن بابه ، وموالاتهم عدوهم .

{ الرَّحِيمِ } الذي وسعت رحمته كل شيء ، وكتبها للذين يتقون ، ويؤتون الزكاة ، ويؤمنون بآياته ، ويتبعون رسوله .


[384]:- زيادة من الهامش ب.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَلَمۡ يَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ يَقۡبَلُ ٱلتَّوۡبَةَ عَنۡ عِبَادِهِۦ وَيَأۡخُذُ ٱلصَّدَقَٰتِ وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ} (104)

إن كان الذين اعترفوا بذنوبهم وعرضوا أموالهم للصدقة قد بقي في نفوسهم اضطراب من خوف أن لا تكون توبتهم مقبولة وأن لا يكون الرسول عليه الصلاة والسلام قد رضي عنهم وكان قوله : { إن صلواتك سكن لهم } [ التوبة : 103 ] مشيراً إلى ذلك ، وذلك الذي يشعر به اقتران قبول التوبة وقبول الصدقات هنا ليناظر قوله : { اعترفوا بذنوبهم } [ التوبة : 102 ] وقوله : { خذ من أموالهم صدقة } [ التوبة : 103 ] كانت جملة : { ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة } استينافاً بيانياً ناشئاً عن التعليل بقوله : { إن صلواتك سكن لهم } [ التوبة : 103 ] ، لأنه يثير سؤال من يسأل عن موجب اضطراب نفوسهم بعد أن تابوا ، فيكون الاستفهام تقريراً مشوباً بتعجيبٍ من ترددهم في قبول توبتهم . والمقصود منه التذكير بأمر معلوم لأنهم جروا على حال نسيانه ، ويكون ضمير { يعلموا } عائداً إلى الذين اعترفوا بذنوبهم .

وإن كان الذين اعترفوا بذنوبهم لم يخطر ببالهم شك في قبول توبتهم وكان قوله : { إن صلواتك سكن لهم } [ التوبة : 103 ] مجرد إرشاد من الله لرسوله إلى حكمة دعائه لهم بأن دعاءه يصلح نفوسهم ويقوي إيمانهم كان الكلام عليهم قد تم عند قوله : { والله سميع عليم } [ التوبة : 103 ] ، وكانت جملة : { ألم يعلموا } مستأنفة استئنافاً ابتدائياً على طريقة الاستطراد لترغيب أمثال أولئك في التوبة ممن تأخروا عنها ، وكان ضمير { ألم يعلموا } عائداً إلى ما هو معلوم من مقام التنزيل وهو الكلام على أحوال الأمة ، وكان الاستفهام إنكارياً .

ونُزل جميعهم منزلة من لا يعلم قبول التوبة ، لأن حالهم حال من لا يعلم ذلك سواء في ذلك من يعلم قبولها ومن لا يعلم حقيقةً ، وكان الكلام أيضاً مسوقاً للتحْضيض .

وقوله : { وأن الله هو التواب الرحيم } عطف على { أن الله هو يقبل التوبة } ، تنبيهاً على أنه كما يجب العلم بأن الله يفعل ذلك يجب العلم بأن من صفاته العُلى أنه التواب الرحيم ، أي الموصوف بالإكثار من قبول توبة التائبين ، الرحيم لعباده ، ولا شك أن قبول التوبة من الرحمة فتعقيب { التواب } ب { الرحيم } في غاية المناسبة .