الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{أَلَمۡ يَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ يَقۡبَلُ ٱلتَّوۡبَةَ عَنۡ عِبَادِهِۦ وَيَأۡخُذُ ٱلصَّدَقَٰتِ وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ} (104)

قوله تعالى : { هُوَ يَقْبَلُ } : " هو " مبتدأ ، و " يَقْبَلُ " خبره والجملةُ خبر أنَّ ، وأنَّ وما في حيِّزها سادةٌ مَسَدَّ المفعولين أو مسدَّ الأول . ولا يجوز أن يكونَ " هو " فصلاً لأنَّ ما بعده لا يوهم الوصفيَّة ، وقد تحرَّر مِنْ ذلك فيما تقدم .

وقرأ الحسن قال الشيخ : وفي مصحف أُبي " ألم تعلموا " بالخطاب . وفيه احتمالات ، أحدها : أن يكون خطاباً للمتخلِّفين الذين قالوا : ما هذه الخاصية التي اختصَّ بها هؤلاء ؟ و [ الثاني ] : أن يكون التفاتاً من غير إضمارِ قولٍ ، والمرادُ التائبون . و [ الثالث ] : أن يكون على إضمارِ قولٍ أي : قل لهم يا محمد ألم تعلموا .

قوله : { عَنْ عِبَادِهِ } متعلقٌ ب " يَقْبَل " ، وإنما تعدَّى ب " عن " فقيل : لأنَّ معنى " مِنْ " ومعنى " عن " متقاربان . قال ابن عطية : " وكثيراً ما يُتَوَصَّل في موضع واحد بهذه وبهذه نحو " لا صدقةَ إلا عن غني ومِنْ غني " ، و " فعل ذلك فلانٌ مِنْ أَشَره وبَطَره ، وعن أَشَره وبَطَره " . وقيل : لفظه " عن " تُشعر ببُعْدٍ ما ، تقول : " جلس عن يمين الأمير " أي مع نوعٍ من البعد . والظاهرُ أنَّ " عن " هنا للمجاوزة على بابها ، والمعنى : يتجاوز عن عباده بقبول توبتهم ، فإذا قلت : " أخذت العلم عن زيد " ، فمعناه المجاوزةُ ، وإذا قلت : منه فمعناه ابتداء الغاية .

قوله : { هُوَ التَّوَّابُ } يجوز أن يكون فصلاً ، وأن يكون مبتدأ بخلافِ ما قبلَه .