فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{أَلَمۡ يَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ يَقۡبَلُ ٱلتَّوۡبَةَ عَنۡ عِبَادِهِۦ وَيَأۡخُذُ ٱلصَّدَقَٰتِ وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ} (104)

ولما تاب الله سبحانه على هؤلاء المذكورين سابقا قال : { ألم يعلموا } أي غير التائبين أو التائبون قبل أن يتوب الله عليهم ويقبل صدقاتهم ، والاستفهام للتقرير أو للتحضيض والتأكيد { أن الله هو يقبل التوبة } لاستغنائه عن طاعة المطيعين وعدم مبالاته بمعصية العاصين ، وقرئ بالتاء وهو إما خطاب للتائبين أو الجماعة المؤمنين ، والمعنى أن ذلك ليس لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنما الله هو الذي يقبل التوبة ويردها فاقصدوه بها .

{ عن عباده } قيل لا فرق بين عن ومن ، قال ابن عطية : وكثيرا ما يتوصل في موضع واحد بهذه وهذه نحو لا صدقة إلا عن غني ومن غني وفعل ذلك فلان من أشره وبطره وعن أشره وبطره ، وقيل بينهما فرق ولعل { عن } في هذا الموضع أبلغ لأن فيه تبشير القبول للتوبة مع تسهيل سبيلها ، وقيل لفظة عن تشعر ببعد ما ، جلس عن يمين الأمير أي مع نوع من البعد ، والظاهر أن عن هنا للمجاوزة وإذا قلت منه فمعناه ابتداء الغاية .

{ ويأخذ الصدقات } أي يتقبلها منهم وفي إسناد الأخذ إليه سبحانه بعد أمره لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم بأخذها تشريف عظيم لهذه الطاعة ولمن فعلها ، وفي ذكر لفظ الأخذ ترغيب في بذل الصدقة وإعطائها الفقراء .

عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( ما تصدق أحدكم بصدقة من كسب حلال طيب ولا يقبل الله إلا الطيب إلا أخذها الرحمن بيمينه وإن كانت ثمرة فتربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل كما يربي أحدكم فلوّه أو فصيله ) {[918]} أخرجه الشيخان في الباب أحاديث يطول ذكرها .

{ وإن الله هو التواب الرحيم } أي إن هذا شأنه سبحانه ؛ وفي صيغة المبالغة في التواب مع توسيط ضمير الفصل والتأكيد من التبشير لعباده والترغيب لهم ما لا يخفى .


[918]:- مسلم 1014- البخاري 751.