معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{نَّحۡنُ أَعۡلَمُ بِمَا يَسۡتَمِعُونَ بِهِۦٓ إِذۡ يَسۡتَمِعُونَ إِلَيۡكَ وَإِذۡ هُمۡ نَجۡوَىٰٓ إِذۡ يَقُولُ ٱلظَّـٰلِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلٗا مَّسۡحُورًا} (47)

قوله تعالى : { نحن أعلم بما يستمعون به } ، قيل : به صلة ، أي : يطلبون سماعه ، { إذ يستمعون إليك } ، وأنت تقرأ القرآن ، { وإذ هم نجوى } ، يتناجون في أمرك . وقيل : ذوو نجوى ، فبعضهم يقول : هذا مجنون ، وبعضهم يقول : كاهن ، وبعضهم يقول : ساحر ، وبعضهم يقول : شاعر . { إذ يقول الظالمون } ، يعني : الوليد بن المغيرة وأصحابه ، { إن تتبعون إلا رجلاً مسحوراً } ، مطبوباً . وقال مجاهد : مخدوعاً . وقيل : مصروفاً عن الحق . يقال : ما سحرك عن كذا أي ما صرفك ؟ وقال أبو عبيدة : أي رجلاً له سحر ، والسحر :الرئة أي : إنه بشر مثلكم معلل بالطعام والشراب يأكل ويشرب قال الشاعر :

أرانا موضعين لحتم غيب *** ونسحر بالطعام وبالشراب

أي : نغذى ونعلل .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{نَّحۡنُ أَعۡلَمُ بِمَا يَسۡتَمِعُونَ بِهِۦٓ إِذۡ يَسۡتَمِعُونَ إِلَيۡكَ وَإِذۡ هُمۡ نَجۡوَىٰٓ إِذۡ يَقُولُ ٱلظَّـٰلِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلٗا مَّسۡحُورًا} (47)

{ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ } أي : إنما منعناهم من الانتفاع عند سماع القرآن لأننا نعلم أن مقاصدهم سيئة يريدون أن يعثروا على أقل شيء ليقدحوا به ، وليس استماعهم لأجل الاسترشاد وقبول الحق وإنما هم متعمدون على عدم اتباعه ، ومن كان بهذه الحالة لم يفده الاستماع شيئا ولهذا قال : { إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى } أي : متناجين { إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ } في مناجاتهم : { إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا } فإذا كانت هذه مناجاتهم الظالمة فيما بينهم وقد بنوها على أنه مسحور فهم جازمون أنهم غير معتبرين لما قال ، وأنه يهذي لا يدري ما يقول .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{نَّحۡنُ أَعۡلَمُ بِمَا يَسۡتَمِعُونَ بِهِۦٓ إِذۡ يَسۡتَمِعُونَ إِلَيۡكَ وَإِذۡ هُمۡ نَجۡوَىٰٓ إِذۡ يَقُولُ ٱلظَّـٰلِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلٗا مَّسۡحُورًا} (47)

وقوله { نحن أعلم بما يستمعون به } الآية ، هذا كما تقول فلان يستمع بحرص وإقبال ، أو بإعراض وتغافل واستخفاف ، فالضمير في { به } عائد على { ما } ، وهي بمعنى الذي ، والمراد بالذي ما ذكرناه من الاستخفاف والإعراض ، فكأنه قال : نحن أعلم بالاستخفاف والاستهزاء الذي يستمعون به ، أي هو ملازمهم ، ففضح الله بهذه الآية سرهم ، والعامل في { إذ } الأولى وفي المعطوفة عليها { يستمعون } الأول ، وقوله { وإذ هم نجوى } وصفهم بالمصدر ، كما قالوا : قوم رضى وعدل ، وقيل المراد بقوله : { وإذ هم نجوى } اجتماعهم في دار الندوة ثم انتشرت عنهم ، وقوله { مسحوراً } الظاهر فيه أن يكون من السحر ، فشبهوا الخبال الذي عنده بزعمهم ، وأقواله الوخيمة برأيهم ، بما يكون من المسحور الذي قد خبل السحر عقله وأفسد كلامه ، وتكون الآية على هذا شبيهة بقول بعضهم { به جنة } [ المؤمنون : 25 ] ونحو هذا ، وقال أبو عبيدة : { مسحوراً } معناه ذا سحر ، وهي الرية يقال لها سحر وسُحر بضم السين ، ومنه قول عائشة رضي الله عنها : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سحري ونحري{[7585]} ومنه قولهم للجبان : انتفخ سحره ، لأن الفازع تنتفخ ريته ، فكأن مقصد الكفار بهذا التنبيه على أنه بشر أي ذا رية ، قال : ومن هذا يقال لكل من يأكل ويشرب من آدمي وغيره : مسحور ومسحر ، ومنه قول امرىء القيس : [ الوافر ]

ونسحر بالطعام وبالشراب{[7586]} . . . وقول لبيد : بالطويل ]

فإن تسألينا فيمَ نَحْنُ فإننا . . . عصافيرُ من هذا الأنام المسحَّر{[7587]}

ومنه السحور ، وهو إلى هذه اللفظة أقرب منه إلى السحر ، ويشبه أن يكون من السحر ، كالصبوح من الصباح ، والآية التي بعد هذا تقوي أن اللفظة التي في الآية من السِّحر ، بكسر السين ( . . . . . . ){[7588]} ، لأن حينئذ في قولهم ضرب مثل له وأما على أنها من السحر الذي هو الرية ومن التغذي وأن تكون الإشارة إلى أنه بشر فلم يضرب له في ذلك مثل بل هي صفة حقيقة له .


[7585]:أخرجه البخاري، ومسلم، وأحمد، ولفظه كما في مسند أحمد (6 – 121)، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: (قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه سحري ونحري، قالت: فلما خرجت نفسه لم أجد ريحا أطيب منها).
[7586]:هذا عجز بيت جعله امرؤ القيس مطلع أبيات يتعجب فيها من صروف الدهر ومن أحوال الزمن معه، والبيت بتمامه: أرانا موضعين لأمر غيب ونسحر بالطعام وبالشراب وموضعين: مسرعين، وأمر الغيب هو الموت، ونسحر: نغذي، وهو الشاهد هنا، وقيل: نسحر: نلهو، ومن أبيات هذه القصيدة البيت المشهور: وقد طوفت بالآفاق حتى رضيت من الغنيمة بالإياب والبيت في اللسان، ومجاز القرآن، والبيان والتبيين، والحيوان، وتفسير الطبري، والقرطبي، والبحر المحيط، وأمالي المرتضى. ويروى: (أرانا مرصدين لأمر غيب). يقول: إننا في هذه الدنيا نسرع إلى شيء رهيب هو الموت، أو شيء مجهول لا ندري عنه شيئا، ونحن نعلل بالطعام وبالشراب عن هذا الشيء المجهول، أو نعلل باللهو عن الموت، فكأنه يقول: كيف يستمتع باللهو أو بالطعام والشراب من هو ماض فس سرعة نحو هذا المجهول المخيف؟
[7587]:البيت من قصيدة له يذكر فيها من فقد من قومه ومن سادات العرب، ويتأمل في سطوة الموت وضعف الإنسان أمامه ومطلعها: أعـــادل قـــومي فاعذلي الآن أو دعي فلست وإن أقصرت عني بمقصر وعصافير معناها: ضعاف لا حول لنا ولا قوة أمام الموت وجبروته، والمسحر: الذي يعلل بالطعام والشراب، والأنام: جميع ما على الأرض من الخلق. والبيت في فكرته كبيت امرىء القيس السابق، وقوله تعالى: {إنما أنت من المسحرين} من هذا المعنى. والبيت كذلك في اللسان، ومجاز القرآن، والبيان والتبيين، والحيوان، والطبري، والقرطبي، والبحر المحيط.
[7588]:في جميع الأصول يوجد بياض بين قوله: لأن، وقوله: حينئذ. وقد نقل أبو حيان في البحر المحيط هذه العبارة كاملة عن ابن عطية، وفيه أيضا إشارة إلى هذا البياض في الأصول؛ والأقرب أن تكون الكلمة الساقطة من الجملة هي "مسحورا".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{نَّحۡنُ أَعۡلَمُ بِمَا يَسۡتَمِعُونَ بِهِۦٓ إِذۡ يَسۡتَمِعُونَ إِلَيۡكَ وَإِذۡ هُمۡ نَجۡوَىٰٓ إِذۡ يَقُولُ ٱلظَّـٰلِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلٗا مَّسۡحُورًا} (47)

كان المشركون يحيطون بالنبي صلى الله عليه وسلم في المسجد الحرام إذا قرأ القرآن يستمعون لما يقوله ليتلقفوا ما في القرآن مما ينكرونه ، مثل توحيد الله ، وإثبات البعث بعد الموت ، فيعجب بعضُهم بعضاً من ذلك ، فكان الإخبار عنهم بأنهم جُعلت في قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقر وأنهم يولون على أدبارهم نفوراً إذا ذكر الله وحده ، ويثير في نفس السامع سُؤالاً عن سبب تجمعهم لاستماع قراءة النبي عليه الصلاة والسلام ، فكانت هذه الآية جواباً عن ذلك السؤال . فالجملة مستأنفة استئنافاً بيانياً .

وافتتاح الجملة بضمير الجلالة لإظهار العناية بمضمونها . والمعنى : أنّ الله يعلم علماً حقاً داعي استماعهم ، فإن كثرت الظنون فيه فلا يعلم أحد ذلك السبب .

« وأعلَم » اسم تفضيل مستعمل في معنى قوة العلم وتفصيله . وليس المراد أن الله أشد علماً من غيره إذ لا يقتضيه المقام .

والباء في قوله : { بما يستمعون } لتعدية اسم التفضيل إلى متعلقه لأنّه قاصر عن التعدية إلى المفعول . واسم التفضيل المشتق من العلم ومن الجهل يُعدى بالباء وفي سوى ذينك يعدى باللام . يقال : هو أعظَى للدراهم .

والباء في { يستمعون به } للملابسة . والضمير المجرور بالباء عائد إلى ( ما ) الموصولة ، أي نحن أعلم بالشيء الذي يلابسهم حين يستمعون إليك ، وهي ظرف مستقر في موضع الحال . والتقدير : متلبسين به .

وبيان إبْهام ( ما ) حاصل بقوله : { إذ يستمعون إليك وإذ هم نجوى } .

و ( إذ ) ظرف ل { يستمعون به } .

والنجوى : اسم مصدر المناجاة ، وهي المحادثة سِراً . وتقدم في قوله : { لا خير في كثير من نجواهم } في سورة { النساء : 114 ] .

وأخبر عنهم بالمصدر للمبالغة في كثرة تناجيهم عند استماع القرآن تشاغُلاً عنه .

وإذ هم نجوى } عطف على { إذ يستمعون إليك } ، أي نحن أعلم بالّذي يستمعونه ، ونحْن أعلم بنجواهم .

و { إذ يقول } بَدل من { إذ هم نجوى } بدل بعض من كل ، لأن نجواهم غير منحصرة في هذا القوْل . وإنما خص هذا القول بالذكر لأنه أشدّ غرابة من بقية آفاكهم للبون الواضح بين حال النبي صلى الله عليه وسلم وبين حال المسحور .

ووقع إظهار في مقام الإضمار في { إذ يقول الظالمون } دون : إذ يقولون ، للدلالة على أن باعث قولهم ذلك هو الظلم ، أي الشرك فإن الشرك ظلم ، أي ولولا شركهم لما مثل عاقل حالة النبي الكاملة بحالة المسحور . ويجوز أن يراد الظلم أيضاً الاعتداء ، أي الاعتداء على النبي صلى الله عليه وسلم كذباً .