مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{نَّحۡنُ أَعۡلَمُ بِمَا يَسۡتَمِعُونَ بِهِۦٓ إِذۡ يَسۡتَمِعُونَ إِلَيۡكَ وَإِذۡ هُمۡ نَجۡوَىٰٓ إِذۡ يَقُولُ ٱلظَّـٰلِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلٗا مَّسۡحُورًا} (47)

ثم قال تعالى : { نحن أعلم بما يستمعون به إذ يستمعون إليك } أي نحن أعلم بالوجه الذي يستمعون به وهو الهزؤ والتكذيب . و { به } في موضع الحال ، كما تقول : مستمعين بالهزؤ و { إذ يستمعون } نصب بأعلم أي أعلم وقت استماعهم بما به يستمعون { وإذا هم نجوى } أي وبما يتناجون به إذ هم ذو نجوى : { إذ يقول الظالمون } بدل من قوله : { وإذ هم نجوى إن تتبعون إلا رجلا مسحورا } وفيه مباحث : الأول : قال المفسرون : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا أن يتخذ طعاما ويدعو إليه أشراف قريش من المشركين ، ففعل علي ذلك ودخل عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأ عليهم القرآن ودعاهم إلى التوحيد وقال : قولوا لا إله إلا الله حتى تطيعكم العرب وتدين لكم العجم فأبوا عليه ذلك ، وكانوا عند استماعهم من النبي صلى الله عليه وسلم القرآن والدعوة إلى الله تعالى يقولون بينهم متناجين : هو ساحر وهو مسحور وما أشبه ذلك من القول ، فأخبر الله تعالى نبيه بأنهم يقولون : { إن تتبعون إلا رجلا مسحورا } .

فإن قيل : إنهم لم يتبعوا رسول الله فكيف يصح أن يقولوا : { إن تتبعون إلا رجلا مسحورا } .

قلنا : معناه أنكم إن اتبعتموه فقد اتبعتم رجلا مسحورا ، والمسحور الذي قد سحر فاختلط عليه عقله وزال عن حد الاستواء . هذا هو القول الصحيح ، وقال بعضهم : المسحور هو الذي أفسد . يقال : طعام مسحور إذا أفسد عمله وأرض مسحورة أصابها من المطر أكثر مما ينبغي فأفسدها . قال أبو عبيدة : يريد بشرا ذا سحر أي ذارئه . قال ابن قتيبة : ولا أدري ما الذي حمله على هذا التفسير المستكره مع أن السلف فسروه بالوجوه الواضحة ، وقال مجاهد : { مسحورا } أي مخدوعا لأن السحر حيلة وخديعة ، وذلك لأن المشركين كانوا يقولون : إن محمدا يتعلم من بعض الناس هذه الكلمات وأولئك الناس يخدعونه بهذه الكلمات وهذه الحكايات ، فلذلك قالوا : إنه مسحور أي مخدوع ، وأيضا كانوا يقولون : إن الشيطان يتخيل له فيظن أنه ملك فقالوا : إنه مخدوع من قبل الشيطان .