معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَيُطۡعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ مِسۡكِينٗا وَيَتِيمٗا وَأَسِيرًا} (8)

{ ويطعمون الطعام على حبه } أي على حب الطعام وقلته وشهوتهم له وحاجتهم إليه . وقيل : على حب الله { مسكيناً } فقيراً لا مال له ، { ويتيماً } صغيراً لا أب له { وأسيراً } قال مجاهد وسعيد بن جبير وعطاء : هو المسجون من أهل القبلة . وقال قتادة : أمر الله بالأسراء أن يحسن إليهم ، وإن أسراهم يومئذ لأهل الشرك . وقيل : الأسير المملوك . وقيل : المرأة ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " اتقوا الله في النساء فإنهن عندكم عوان " أي أسراء . واختلفوا في سبب نزول هذه الآية ، قال مقاتل : نزلت في رجل من الأنصار أطعم في يوم واحد مسكيناً ويتيماً وأسيراً . وروى مجاهد وعطاء عن ابن عباس : أنها نزلت في علي بن أبي طالب ، وذلك أنه عمل ليهودي بشيء من شعير ، فقبض الشعير فطحن ثلثه فجعلوا منه شيئاً ليأكلوه ، فلما تم إنضاجه أتى مسكين فسأل فأخرجوا إليه الطعام ، ثم عمل الثلث الثاني فلما تم إنضاجه أتى يتيم فسأل فأطعموه ، ثم عمل الثلث الباقي فلما تم إنضاجه أتى أسير من المشركين ، فسأل فأطعموه ، وطووا يومهم ذلك : وهذا قول الحسن وقتادة ، أن الأسير كان من أهل الشرك ، وفيه دليل على أن إطعام الأسارى ، وإن كانوا من أهل الشرك ، حسن يرجى ثوابه .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَيُطۡعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ مِسۡكِينٗا وَيَتِيمٗا وَأَسِيرًا} (8)

{ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ } أي : وهم في حال يحبون فيها المال والطعام ، لكنهم قدموا محبة الله على محبة نفوسهم ، ويتحرون في إطعامهم أولى الناس وأحوجهم { مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا } .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَيُطۡعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ مِسۡكِينٗا وَيَتِيمٗا وَأَسِيرًا} (8)

وقوله تعالى : { على حبه } يحتمل أن يعود الضمير على الطعام ، أي وهو محبوب للفاقة والحاجة ، وهذا قول ابن عباس ومجاهد ويحتمل أن يعود على الله تعالى أي لوجهه وابتغاء مرضاته ، قاله أبو سليمان الدراني . والأول أمدح لهم لأن فيه الإيثار على النفس . وعلى الاحتمال الثاني فقد يفعله الأغنياء أكثر ، وقال الحسين بن الفضل : الضمير عائد على الإطعام ، أي محبين في فعلهم ذلك لا رياء فيه ولا تكلف ، و «المسكين » الطواف المتكشف في السؤال ، و «اليتيم » الصبي الذي لا أب له من الناس . والذي لا أم له من البهائم وهي صفة قبل البلوغ ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : «لا يتم بعد حلم »{[11507]} و «الأسير » معروف ، فقال قتادة : أراد أسرى الكفار وإن كانوا على غير الإسلام ، وقال الحسن : ما كان أسراهم إلا مشركين ، لأن كل كبد رطبة ففيها أجر . وقال بعض العلماء : هذا إما نسخ بآية السيف وإما أنه محكم لتحفظ حياة الأسير إلى أن يرى الإمام فيه ما يرى ، وقال مجاهد وابن جبير وعطاء : أراد المسجونين من الناس ، ولهذا يحض على صدقة السجن ، فهذا تشبيه ، ومن قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه : لا يؤسر أحد في الإسلام بغير العدول{[11508]} . وروى الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم فسر الأسير هنا بالمملوك والمسجون{[11509]} ، وقال : أراد أسرى المسلمين الذين تركوا في بلاد الحرب رهائن وخرجوا في طلب الفداء ، وقال أبو حمزة الثمالي{[11510]} : الأسير هنا المرأة ، ودليله قوله صلى الله عليه وسلم : «استوصوا بالنساء خيراً فإنهن عوانٍ عندكم »{[11511]} .


[11507]:أخرجه أبو داود عن علي، ورمز له الإمام السيوطي في "الجامع الصغير" بأنه حديث حسن، ولفظه كما ذكره السيوطي: (لا يتم بعد احتلام، ولا صمات يوم إلى الليل).
[11508]:النص كما في اللسان: "لا يؤسر أحد في الإسلام بشهادة الزور، إلا لا نقبل إلا العدول" والمعنى: لا يحبس أحد إلا بشهادة العدول.
[11509]:أخرج ابن مردويه، وأبو نعيم، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قول الله: [مسكينا]، قال: فقيرا، , [يتيما] قال: لا أب له، و [أسيرا] قال: المملوك والمسجون. (الدر المنثور). وذكره الثعلبي فقال: "قال أبو سعيد الخدري: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا) فقال: المسكين الفقير، واليتيم الذي لا أب له، والأسير المملوك المسجون".
[11510]:هو ثابت بن أبي صفية الثمالي –بضم المثلثة وتخفيف الميم- أبو حمزة، واسم أبيه دينار، وقيل: سعيد، وهو كوفي، ضعيف، رافضي، من الطبقة الخامسة، مات في خلافة أبي جعفر. (تقريب التهذيب).
[11511]:أخرجه الإمام أحمد في مسنده (5/72) عن أبي حرة الرقاشي عن عمه قال: كنت آخذ بزمام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أوسط أيام التشريق أذود عنه، فقال. وساق حديثا طويلا جاء فيه: (فاتقوا الله عز وجل في النساء فإنهم عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئا، وإن لهن عليكم ولكم عليهن حقا، ألا يوطئن فرشكم أحدا غيركم، ولا يأذن في بيوتكم لأحد تكرهونه، فإن خفتم نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح)، وأخرجه الترمذي عن عمرو بن الأحوص الجشمي، وقال: حديث حسن صحيح، كذلك أخرجه ابن ماجه، ووصيته صلى الله عليه وسلم بالنساء في حجة الوداع ثابتة في كتب السنة الصحيحة ولكن تختلف الألفاظ بعض الشيء عما ورد هنا.