السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَيُطۡعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ مِسۡكِينٗا وَيَتِيمٗا وَأَسِيرًا} (8)

{ ويطعمون الطعام } أي : على حسب ما يتيسر لهم من عال ودون ، وقوله تعالى : { على حبه } حال إما من الطعام أي : كائنين على حبهم إياه فهو في غاية المكنة منهم والاستعلاء على قلوبهم لقلته وشهوتهم له وحاجتهم إليه ، كما قال تعالى : { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } [ آل عمران : 92 ] ليفهم أنهم للفضل أشدّ بذلاً ، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في حق الصحابة رضي الله عنهم : «لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه » لقلة الموجود إذ ذاك وكثرته بعد ، وإما من الفاعل والضمير في حبه لله أي : على حب الله وعلى التقديرين فهو مصدر مضاف للمفعول . وقال الفضيل بن عياض : على حب إطعام الطعام .

{ مسكيناً } أي : محتاجاً احتياجاً يسيراً فصاحب الاحتياج الكثير أولى { ويتيماً } أي : صغيراً لا أب له { وأسيراً } أي : في أيدي الكفار . وخص هؤلاء بالذكر لأنّ المسكين عاجز عن الاكتساب بنفسه عما يكفيه ، واليتيم مات من يكتسب له وبقي عاجزاً عن الكسب لصغره ، والأسير لا يتمكن لنفسه نصراً ولا حيلة .

وقال مجاهد وسعيد بن جبير رضي الله عنهم : الأسير المحبوس فيدخل في ذلك المملوك والمسجون والكافر الذي في أيدي المسلمين ، وقد نقل في غزوة بدر أن بعض الصحابة رضي الله عنهم كان يؤثر أسيره على نفسه بالخبز ، وكان الخبز إذ ذاك عزيزاً حتى كان ذلك الأسير يعجب من مكارمهم حتى كان ذلك مما دعاه إلى الإسلام ، وذلك لأنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم لما دفعهم إليهم قال : «استوصوا بهم خيراً » . وقيل : الأسير المملوك ، وقيل : المرأة لقول النبيّ صلى الله عليه وسلم «اتقوا الله في النساء فإنهنّ عندكم عوان » أي : أسرى .