اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَيُطۡعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ مِسۡكِينٗا وَيَتِيمٗا وَأَسِيرًا} (8)

قوله : { وَيُطْعِمُونَ الطعام على حُبِّهِ } وهذا الجار والمجرور حال إما من «الطعام » أي : كائنين على حبهم الطعام كقوله تعالى : { وَآتَى المال على حُبِّهِ } [ البقرة : 177 ] .

قال ابن عباس ومجاهد : على قلة حبهم إياه وشهوتهم له{[58861]} ، وإما من الفاعل .

والضمير في «حبه » لله تعالى ، أي : على حب الله ، وعلى التقدير : فهو مصدر مضاف للمفعول .

قال الفضيل بن عياض : على حب إطعام الطَّعام .

قوله «مسكيناً » . أي : ذا مسكنة ، «ويَتيماً » أي : من يتامى المسلمين «وأسِيراً » أي : الذي يؤسر فيحبس ، وذلك أن المسكين عاجز عن الاكتساب بنفسه ، واليتيم : هو الذي مات من يكتسب له ، وبقي عاجزاً عن الكسبِ لصغره ، والأسير : هو المأخوذ من قومه المملوك رقبة ، الذي لا يملك لنفسه نصراً ولا حيلةً .

قال ابن عباس والحسن وقتادة : الأسير من أهل الشرك يكون في أيديهم{[58862]} .

فإن قيل : لمَّا وجب قتله ، فكيف يجب إطعامه ؟ .

فالجواب : أن القتل في حال لا يمنع من الإطعام في حال أخرى ، ولا يجب إذا عوقب بوجهٍ أن يعاقب بوجه آخر ، وكذلك لا يحسن فيمن عليه قصاص أن يفعل به ما هو دون القتل ، ويجب على الإمام أن يطعمه فإن لم يفعله الإمام وجب على المسلمين .

وقال مجاهد وسعيد بن جبير : الأسير : المحبوس{[58863]} .

وقال السديُّ : الأسير : المملوك{[58864]} ، وقيل : الأسير : الغريم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أسِيرُكَ غَريمُكَ »{[58865]} وقال عطاء : الأسير من أهل القبلةِ وغيرهم{[58866]} .

قال القرطبي{[58867]} : «هذا يعم جميع الأقوال ، ويكون إطعام الأسير المشرك قربة إلى الله تعالى ، غير أنه من صدقة التطوع ، فأما المفروضة فلا » .

وقيل : الأسير : الزوجة ، قال صلى الله عليه وسلم : «اتَّقُوا اللهَ فِي النِّساءِ ، فإنَّهُنَّ عوانٍ عِنْدكُمْ »{[58868]} .

قال القفال{[58869]} : واللفظ يحتمل كل ذلك ؛ لأن أصل الأسر هو الشك بالقدر ، وكان الأسير يفعل به ذلك حبساً له .

فصل في الكلام على الآية

قال القرطبي{[58870]} : قيل نسخ آية المسكين آية الصدقات ، وإطعام الأسير بالسيف قاله سعيد بن جبير .

وقال غيره : بل هو ثابت الحكم ، وإطعام اليتيم والمسكين على التطوع ، وإطعام الأسير لحفظ نفسه إلى أن يتخير فيه الإمام .

وقال الماورديُّ : ويحتمل أن يريد بالأسير الناقص العقل ؛ لأنه في أسر خبله وجنونه ، وأسر المشرك انتقام يقف على رأي الإمام ، وهذا برٌّ وإحسان .


[58861]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/359) عن مجاهد وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/484) وزاد نسبته إلى عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي في "شعب الإيمان".
[58862]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/360) عن الحسن وقتادة وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/484) عن الحسن وعزاه إلى سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن مردويه وذكره أيضا عن قتادة وعزاه إلى عبد بن حميد.
[58863]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/360) عن مجاهد وسعيد بن جبير.
[58864]:ورد مثله مرفوعا من حديث أبي سعيد الخدري ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/485) وعزاه إلى ابن مردويه وابن نعيم.
[58865]:ذكره الزمخشري في "الكشاف" (4/668).
[58866]:ذكره السيوطي في الدر المنثور" (6/484) وعزاه إلى ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير وعطاء.
[58867]:الجامع لأحكام القرآن 19/84.
[58868]:تقدم.
[58869]:ينظر: الفخر الرازي 30/217.
[58870]:الجامع لأحكام القرآن 19/84.