معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَقَالَتۡ لِأُخۡتِهِۦ قُصِّيهِۖ فَبَصُرَتۡ بِهِۦ عَن جُنُبٖ وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ} (11)

قوله تعالى : { وقالت لأخته } أي : لمريم أخت موسى : { قصيه } اتبعي أثره حتى تعلمي خبره ، { فبصرت به عن جنب } أي : عن بعد ، وفي القصة أنها كانت تمشي جانباً وتنظر اختلاساً تري أنها لا تنظره ، { وهم لا يشعرون } أنها أخته وأنها ترقبه .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَقَالَتۡ لِأُخۡتِهِۦ قُصِّيهِۖ فَبَصُرَتۡ بِهِۦ عَن جُنُبٖ وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ} (11)

{ وَقَالَتِ } أم موسى { لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ } أي : اذهبي [ فقصي الأثر عن أخيك وابحثي عنه من غير أن يحس بك أحد أو يشعروا بمقصودك فذهبت تقصه ] { فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ } أي : أبصرته على وجه ، كأنها مارة لا قصد لها فيه .

وهذا من تمام الحزم والحذر ، فإنها لو أبصرته ، وجاءت إليهم قاصدة ، لظنوا بها أنها هي التي ألقته ، فربما عزموا على ذبحه ، عقوبة لأهله .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَقَالَتۡ لِأُخۡتِهِۦ قُصِّيهِۖ فَبَصُرَتۡ بِهِۦ عَن جُنُبٖ وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ} (11)

{ وقالت لأخته } مريم . { قصيه } اتبعي أثره وتتبعي خبره . { فبصرت به عن جنب } عن بعد وقرئ " عن جانب " " وعن جنب " وهو بمعناه . { وهم لا يشعرون } إنها تقص أو إنها أخته .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَقَالَتۡ لِأُخۡتِهِۦ قُصِّيهِۖ فَبَصُرَتۡ بِهِۦ عَن جُنُبٖ وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ} (11)

ثم قالت لأخت موسى طمعاً منها وطلباً ، { قصيه } ، والقص طلب الأثر ، فيروى أن أخته خرجت في سكك المدينة تبحث مختفية بذلك فرأته عند قوم من حاشية امرأة فرعون يطلبون به امرأة ترضعه حين لم يقبل المراضع ، و { عن جنب } أي عن ناحية من غير قصد ولا قرب يشعر لها به ، يقال فيه جنب وجناب وجنابة ومن جناب قول الشاعر : [ الطويل ]

لقد ذكرتني عن جناب حمامة . . . بعسفان أهلي فالفؤاد حزين{[9118]}

ومن جنابة قول الأعشى : [ الطويل ]

أتيت حريثاً زائراً عن جنابة . . . فكان حريث عن عطائيَ جامدا{[9119]}

قال الفقيه الإمام القاضي : وكأن معنى هذه الألفاظ عن مكان جنب أي عن بعد ومعنى الآية عن بعد لم تدن منه فيشعر لها ، وأنشد أبو عبيدة لعلقمة بن عبدة : [ الطويل ]

فلا تحرمنّي نائلاً عن جنابة . . . فإني امرؤ وسط القباب غريب{[9120]}

وقرأ قتادة «عن جَنْب » بفتح الجيم وسكون النون وهي قراءة الحسن والأعرج ، وقرأ «عن جانب » النعمان بن سالم ، وقرأ الجمهور «عن جُنُب » بضم الجيم والنون ، وقوله { وهم لا يشعرون } ، معناه أنها أخته وأنها من جملة لطائف الله تعالى له ولأمه حسب الوعد الذي أوحي إليها ، ويقال : بصرت الشيء وأبصرته بمعنى واحد متقارب ، قال المهدوي : وقيل { عن جنب } معناه عن شوق وهي لغة لجذام يقولون جنبت إلى لقائك أي اشتقت إليه ، وقال قتادة : معنى { عن جنب } أنها تنظر إليه كأنها لا تريده .


[9118]:البيت لأعرابي لم يذكر اسمه، وهو واحد من ثلاثة أبيات ذكرها شهاب الدين الحموي في "معجم البلدان"، وعسفان بضم العين منهلة من مناهل الطريق بين مكة والجحفة، وقيل: هي على مرحلتين من مكة، وسميت عسفان من: عسفت المفازة وهو يعسفها، وهو قطعها بلا هداية أو قصد، وكذلك كل أمر يركب بغير رواية، وقد غزا النبي صلى الله عليه وسلم بني لحيان بعسفان، والأبيات الثلاثة هي: لقد ذكرتني عن حباب حمامة بعسفان أهلي فالفؤاد حزين فويحك كم ذكرتني اليوم أرضنا لعل حمامي بالحجاز يكون فوالله لا أنساك ما هبت الصبا وما اخضر من عود الأراك فنون هكذا رويت (حباب) بدلا من (جناب)، وعلى هذا فلا شاهد فيه.
[9119]:البيت من قصيدة له يمدح هوذة بن علي الحنفي، ويذم الحارث بن وعلة الرقاشي، وحريث تصغير الحارث، صغره تحقيرا له، وجنابة: بعد ومن غير قصد، وهو الشاهد، وجامد: لا يلين ولا يعطي، وتروى: جاحدا، والشاهد قوله: عن جنابة.
[9120]:البيت من قصيدة علقمة الفحل التي قالها في مدح الحارث ملك الغساسنة في الشام بعد الواقعة المعروفة باسم "يوم حليمة" وقد أسر فيها عدد من بني تميم، وفيهم شاس أخو الشاعر، فذهب علقمة إلى الحارث مادحا طالبا سراح أخيه، وفعلا نجح في مسعاه، وأطلق الملك سراح أخيه ومن معه من الأسرى. والنائل: العطاء، ويريد به هنا إطلاق سراح أخيه، والجنابة: البعد والغربة، يقول: لا تحرمني وتمنع عني العفو عن الذنب الذي جئتك راجيا مستشفعا فيه، فإنني امرؤ غريب في هذه الديار.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَقَالَتۡ لِأُخۡتِهِۦ قُصِّيهِۖ فَبَصُرَتۡ بِهِۦ عَن جُنُبٖ وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ} (11)

ظاهر ترتيب الأخبار أنها على وفق ترتيب مضامينها في الحصول ، وهذا يرجح أن يكون حصول مضمون { وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً } [ القصص : 10 ] سابقاً على حصول مضمون { وقالت لأخته قصيه } ، أي قالت لأخته ذلك بعد أن اطمأن قلبها لما ألهمته من إلقائه في اليم ، أي لما ألقته في اليم قالت لأخته : انظري أين يلقيه اليم ومتى يستخرج منه ، وقد علمت أن اليم لا يلقيه بعيداً عنها لأن ذلك مقتضى وعد الله برده إليها .

وأخت موسى اسمها مريم ، وقد مضى ذكر القصة في سورة طه .

والقصّ : اتباع الأثر ، استعمل في تتبع الذات بالنظر فلذلك عُدي إلى ضمير موسى دون ذكر الأثر . وقد تقدم في سورة الكهف ( 64 ) عند قوله { فارتدا على ءاثارهما قصصاً }

وبصُر بالشيء صار ذا بصر به ، أي باصراً له فهو يفيد قوة الإبصار ، أي قوة استعمال حاسة البصر وهو التحديق إلى المبصر ، ف ( بصر ) أشد من ( أبصر ) . فالباء الداخلة على مفعوله باء السببية للدلالة على شدة العناية برؤية المرئي حتى كأنه صار باصراً بسببه . ولك أن تجعل الباء زائدة لتأكيد الفعل فتفيد زيادة مبالغة في معنى الفعل . وتقدم في قوله تعالى { قال بصُرتُ بما لم يبصروا به } في سورة طه ( 96 ) .

والجُنُب : بضمتين البعيد . وهو صفة لموصوف يعرف من المقام ، أي عن مكان جنب .

و { عن } للمجاوزة والمجرور في موضع حال من ضمير ( بصرت ) لأن المجاوزة هنا من أحوال أخته لا من صفات المكان .

و { هم } أي آل فرعون حين التقطوه لا يشعرون بأن أخته تراقب أحواله وذلك من حذق أخته في كيفية مراقبته .