قوله تعالى : { وإلى عاد أخاهم هوداً } ، أي : وأرسلنا إلى عاد ، وهو عاد بن عوص ، بن إرم ، بن سام ، بن نوح عليهم السلام ، وهي عاد الأولى أخاهم في النسب لا في الدين ، وهو هود بن عبد الله ، بن رباح ، بن الجلود ، بن عاد ، بن عوص . وقال ابن إسحاق : هود ابن شالخ ، ابن أرفخشد ، بن سام ، بن نوح .
قوله تعالى : { قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون } ، أفلا تخافون نقمته ؟
أي : { و } أرسلنا { إِلَى عَادٍ } الأولى ، الذين كانوا في أرض اليمن { أَخَاهُمْ } في النسب { هُودًا } عليه السلام ، يدعوهم إلى التوحيد وينهاهم عن الشرك والطغيان في الأرض .
ف { قَالَ } لهم : { يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ } سخطه وعذابه ، إن أقمتم على ما أنتم عليه ، فلم يستجيبوا ولا انقادوا .
يقول تعالى : وكما أرسلنا إلى قوم نوح نوحًا ، كذلك أرسلنا إلى عاد أخاهم هودًا .
قال محمد بن إسحاق : هم [ من ]{[11862]} ولد عاد بن إرم بن عوص بن سام بن نوح .
قلت : وهؤلاء هم عاد الأولى ، الذين ذكرهم الله [ تعالى ]{[11863]} وهم أولاد عاد بن إرم الذين كانوا يأوون إلى العَمَد في البر ، كما قال تعالى : { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ } [ الفجر : 6 - 8 ] وذلك لشدة بأسهم وقوتهم ، كما قال تعالى : { فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ } [ فصلت : 15 ] .
وقد كانت مساكنهم باليمن بالأحقاف ، وهي جبال الرمل .
قال محمد بن إسحاق ، عن محمد بن عبد الله بن أبي سعيد الخزاعي ، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة ، سمعت علي بن أبي طالب [ رضي الله عنه ]{[11864]} يقول لرجل من حضرموت : هل رأيت كثيبا أحمر تخالطه مَدَرَة حمراء ذا أرَاكٍ وسدْر كثير بناحية كذا وكذا من أرض حضرموت ، هل رأيته ؟ قال : نعم يا أمير المؤمنين . والله إنك لتنعته نعتَ رجل قد رآه . قال : لا ولكني قد حدِّثتُ عنه . فقال الحضرمي : وما شأنه يا أمير المؤمنين ؟ قال : فيه قبرُ هود ، عليه السلام .
رواه ابن جرير{[11865]} وهذا فيه فائدة أن مساكنهم كانت باليمن ، وأن هودا ، عليه السلام ، دفن هناك ، وقد كان من أشرف{[11866]} قومه نسبا ؛ لأن الرسل [ صلوات الله عليهم ]{[11867]} إنما يبعثهم الله من أفضل القبائل وأشرفهم ، ولكن كان قومه كما شُدّد خلقهم شُدِّد على قلوبهم ، وكانوا من أشد الأمم تكذيبا للحق ؛ ولهذا دعاهم هود ، عليه السلام ، إلى عبادة الله وحده لا شريك له ، وإلى طاعته وتقواه .
يجوز أن يكون العطف من عطف الجمل بأن يقدّر بعد واو العطف « أرسلنا » لدلالة حرف ( إلى ) عليه ، مع دلالة سبق نظيره في الجملة المعطوف عليها ، والتّقدير وأرسلنا إلى عادٍ ، فتكون الواو لمجرّد الجمع اللّفظي من عطف القصّة على القصّة وليس من عطف المفردات ، ويجوز أن يكون من عطف المفردات : عَطَفت الواو { هوداً } على { نوحاً } [ الأعراف : 59 ] ، فتكون الواو نائية عن العامل وهو { أرسلنا } [ الأعراف : 59 ] ، والتّقدير : « لقد أرسلنا نوحاً إلى قومه وهوداً أخا عاد إليهم وقدمت ( إلى ) فهو من العطف على معمولي عامل واحدٍ ، وتقديم ( إلى ) اقتضاه حسن نظم الكلام في عود الضّمائر ، والوجه الأوّل أحسن .
وقدّم المجرور على المفعول الأصلي ليتأتى الإيجاز بالإضمار حيث أريد وصف هود بأنّه من إخوة عاد ومن صميمهم ، من غير احتياج إلى إعادة لفظ عاد ، ومع تجنّب عود الضّمير على متأخر لفظاً ورتبةً ، فقيل وإلى عاد أخاهم هوداً و { هوداً } بدل أو بيان من { أخاهم } .
وعادٌ أمّة عظيمة من العرب العاربة البائدة ، وكانوا عشر قبائل ، وقيل ثلاث عشرة قبيلة وهم أبناء عاد بن عُوص ، وعوص هو ابن إرَمَ بن سَام بننِ نوح ، كذا اصطلح المؤرّخون .
وهود اختلف في نسبه ، فقيل : هو من ذرّية عاد ، فقال القائلون بهذا : هو ابن عبد الله بن رَبَاح بن الخلود بن عَاد ، وقيل : هو من ذرّية سام جدّ عادٍ ، وليس من ذرّية عاد ، والقائلون بهذا قالوا هو هُود بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح ، وذكر البغوي عن عَلي : أنّ قبر هُود بحضرَمَوتَ في كثيب أحمر ، وعن عبد الرحمن بن سابط : أنّ قبْرَ هود بين الرّكن والمَقام وزمزم .
وعَادٌ أريد به القبيلة وساغ صرفه لأنه ثلاثي ساكن الوسط ، وكانت منازل عاد ببلاد العرب بالشِّحْر بكسر الشّين المعجمة وسكون الحاء المهملة من أرض اليمن وحَضر موت وعُمَان والأحقافِ ، وهي الرّمال التي بين حضر موت وعُمَان .
والأخُ هنا مستعمل في مطلق القريب ، على وجه المجاز المرسل ومنه قولهم يا أخَا العرب ، وقد كان هود من بني عادٍ ، وقيل : كان ابنَ عم إرَم ، ويطلق الأخ مجازاً أيضاً على المصاحب الملازم ، كقولهم : هو أخو الحَرْب ، ومنه { إنّ المبَذّرين كانُوا إخوانَ الشّياطين } [ الإسراء : 27 ] وقوله { وإخوانهمُ يمدّونهم في الغي } [ الأعراف : 202 ] . فالمراد أنّ هوداً كان من ذوي نسب قومه عاد ، وإنَّما وصف هود وغيره بذلك ، ولم يُوصف نوح بأنّه أخ لقومه : لأنّ النّاس في زمن نوح لم يكونوا قد انقسموا شعوباً وقبائل ، والعرب يقولون : للواحد من القبيلة : أخو بني فلان ، قصداً لعزوه ونسبته تمييزاً للنّاس إذ قد يشتركون في الأعلام ، ويؤخذ من هذه الآية ونظائرها أنّ نظام القبائل مَا حدث إلاّ بعد الطُّوفان .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.