محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{۞وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمۡ هُودٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥٓۚ أَفَلَا تَتَّقُونَ} (65)

وقوله تعالى :

[ 65 ] { وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون ( 65 ) } .

{ وإلى عاد } متعلق بمضمر معطوف على قوله تعالى : { أرسلنا } في قصة نوح . أي وأرسلنا إلى عاد ، وهي قبيلة كانت تعبد الأصنام ، وكانت ذات بسطة وقوة ، قهروا الناس بفضل القوة .

قال الشهاب : { عاد } اسم أبيهم سميت به القبيلة أو الحي فيجوز صرفه وعدمه ، كثمود- كما ذكره سيبويه .

قال الليث{[4062]} : وعاد الأولى ، هم عاد بن عاديا بن سام بن نوح الذين أهلكهم الله .

قال زهير :

وأهلك لقمان بن عاد وعاديا

/ وأما عاد الأخيرة ، فهو بنو تميم ، ينزلون رمال عالج{[4063]} .

وفي كتاب ( الأنساب ) : عاد هو ابن عوص بن إرم بن سام بن نوح ، كان يعبد القمر ، ويقال إنه رأى من صلبه وأولاده أربعة آلاف ، وأنه نكح ألف جارية ، وكانت بلادهم إرم المذكورة في القرآن ، وهي من عمان إلى حضرموت . ومن أولاده شداد بن عاد صاحب المدينة المذكوروة- كذا في ( تاج العروس ) - .

وقال ابن عرفة : قوم عاد كانت منازلهم في الرمال وهي الأحقاف .

وقال ابن إسحاق : الأحقاف رمل فيما بين عمان إلى حضرموت .

وقوله تعالى : { أخاهم هودا } أي أخاهم في النسب ، لأنه منهم ، في قول النسابين . وقيل : الناس كلهم إخوة في النسب ، لأنهم ولد آدم وحواء . فالمراد صاحبهم ، وواحد في جملتهم ، / كما يقال : يا أخا العرب ، للواحد منهم ، وإنما أرسل منهم ، لأنهم أفهم لقوله من قول غيره ، وأعرف بحاله في صدقه وأمانته وشرف أصله ، وأرغب في اقتفائه .

قال الشهاب : اشتهر أن هودا عربي ، وظاهر كلام سيبويه أنه أعجمي ، ويشهد له ما قيل : إن أول العرب يعرب-انتهى- .

وهود هو- على ما قال ابن إسحق- ابن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح . ويقال غير ذلك- والله أعلم- .

وروى ابن إسحق عن عامر بن وائلة ، قال : " سمعت عليا يقول لرجل من حضرموت : هل رأيت كثيبا أحمر يخالطه مدرة حمراء ، ذا أراكٍ وسدرٍ كثير ، بناحية كذا وكذا من أرض حضرموت ، هل رأيته ؟ قال : نعم ، يا أمير المؤمنين  ! والله إنك لتنعته نعت رجل قد رآه  ! قال : لا ، ولكني قد حدثت عنه . فقال الحضرمي : وما شأنه يا أمير المؤمنين  ! قال : فيه قبر هود عليه السلام " - ورواه ابن جرير{[4064]}- . قال ابن كثير : وهذا فيه فائدة أن مساكنهم كانت باليمن ، فإن هودا عليه السلام دفن هناك . وقال : إنهم كانوا يأوون إلى العمد في البر ، كما قال تعالى : { ألم تر كيف فعل ربك بعاد ، إرم ذات العماد ، التي لم يخلق مثلها في البلاد }{[4065]} . وذلك لشدة بأسهم وقوتهم ، كما قال تعالى : { فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة ، أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة ، وكانوا بآياتنا يجحدون }{[4066]} . ولذا دعاهم هود { يا قوم } أي : الذين حقهم أن يكونوا مثلي { اعبدوا الله } أي : وحده { ما لكم من إله غيره أفلا تتقون } أي : تخافون عذابه .


[4062]:- صدر البيت: * ألم تر أن الله أهلك تبعا* من قصيدته التي مطلعها: ألا ليت شعري هل يرى الناس ما أرى*** من الأمر، أو يبدو لهم ما بدا ليا يقول: هل يرى الناس من الرشد ما أرى، أي يظهر لهم ما يظهر لي أن الناس يموتون؟ وفي بيت الشاهد: تبع: مالك من ملك حمير. وعاد هو أبو لقمان. وعاديا أبو السموأل، وكان له حصن بتيماء يقال له الأبلق، وهو الذي استودعه امرؤ القيس أدراعه.
[4063]:- في معجم البلدان (ج 4 ص 69 طبعة بيروت). عالج رملة بالبادية مسماة بهذا الاسم. قال أبو عبيد الله السكوني: عالج رمال بين قيد والقريات ينزلها بنو بحتر من طيء وهي متصلة بالثعلبية على طريق مكة لا ماء بها ولا يقدر أحد عليهم فيه، وهو مسيرة أربع ليال، وفيه برك إذا سالت الأودية امتلأت. وذهب بعضهم إلى أن رمل عالج هو متصل بوبار. قال ابن السكيت: إذا أكل البعير العلجان، وهو نبت، قيل: بعير عالج. وهو شجر يشبه العلندى وأغصانها صلبة، الواحدة علجانة. فيجوز أن يكون هذا الموضع سمي بذلك تشبيها له بالبعير العالج. أويكون لصلوبته يعالج المشي فيه أي يمارس.
[4064]:- الأثر رقم 14803 من التفسير.
[4065]:- [89/ الفجر/ 6-8].
[4066]:- [41/ فصلت/ 15].